عمدة القاري - العيني - ج ٧ - الصفحة ٤١
(ولا علينا) وقال الطيبي في إدخال: الواو، ههنا معنى لطيف، وذلك أنه لو أسقطها لكان مستسقيا للأكام وما معها فقط، ودخول: الواو، يقتضي أن طلب المطر على المذكورات ليس مقصودا لعينه، ولكن ليكون وقاية من أذى المطر، فليست: الواو، مخلصة للعطف، ولكنها: للتعليل. وهو كقولهم: تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها، فإن الجوع ليس مقصودا لعينه، ولكن لكونه مانعا من الرضاع بأجرة، إذ كانوا يكرهون ذلك. قوله: (على الأكام)، فيه بيان للمراد بقوله: (حوالينا)، روي: (الإكام)، بكسر الهمزة وفتحها، ممدودة وهو جمع: أكمة بفتحات، قال ابن البرقي: هو التراب المجتمع. وقال الداودي: أكبر من الكدية. وقال القزاز: هي التي من حجر واحد. وقال الخطابي: هي الهضبة الضخمة. وقيل: الجبل الصغير. وقيل: ما ارتفع من الأرض. قوله: (والظراب) بكسر الظاء المعجمة وفي آخره باء موحدة: جمع ظرب، بسكون الراء. قاله القزاز، وقال: هو جبل منبسط على الأرض، وقيل بكسر الراء، ويقال: ظراب وظرب، كما يقال: كتاب وكتب. ويقال: ظرب، بتسكين الراء. قالوا: أصل الظراب ما كان من الحجارة أصله ثابت في جبل أو أرض حزنة، وكان أصله الثاني محدودا، وإذا كانت خلقة الجبل كذلك سمي ظربا. وفي (المحكم): الظرب كل ما كان نتأ من الحجارة وحد طرفه. وقيل: هو الجبل الصغير. وفي (المنتهى) للبرمكي: الظراب: الروابي الصغار دون الجبل، وفي (الغريبين): الأظراب جمع ظرب. قوله: (والأودية) جمع واد وفي رواية مالك: (بطون الأودية)، والمراد بها ما يتحصل فيه الماء لينتفع به، قالوا: ولم يسمع أفعلة جمع فاعل إلا أودية جمع واد، وزاد مالك في روايته: (ورؤوس الجبال). قوله: (ومنابت الشجر) أراد بالشجر: المرعى ومنابته التي تنبت الزرع والكلأ. قوله: (فانقطعت) أي: السماء، ويروى: (فأقلعت)، ويروى: (فانقلعت)، والكل بمعنى واحد، وفي رواية مالك: (فانجابت عن المدينة انجياب الثوب)، أي: خرجت عنها كما يخرج الثوب عن لابسه، وفي رواية سعيد عن شريك: (فما هو إلا أن تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك تمزق السحاب حتى ما نرى منه شيئا)، والمراد بقوله: (ما نرى شيئا)، أي: في المدينة، ولمسلم من رواية حفص: (فلقد رأيت السحاب يتمزق كأنه الملا حين يطوى)، والملا، بضم مقصور وقد يمد جمع: ملاءة، وهو ثوب معروف. وفي رواية قتادة عند البخاري: (فلقد رأيت السحاب يتقطع يمينا وشمالا يمطرون) أي: أهل النواحي ولا يمطرون أهل المدينة، وله في الأدب: (فجعل الله السحاب يتصدع عن المدينة)، وزاد فيه: (يريهم الله كرامة نبيه وإجابة دعوته). وله في رواية ثابت عن أنس: (فتكشطت)، أي: تكشفت، (فجعلت تمطر حول المدينة ولا تمطر بالمدينة قطرة، فنظرت إلى المدينة وإنها لفي مثل الإكليل). وفي مسند أحمد من هذا الوجه: (فتقور ما فوق رؤوسنا من السحاب حتى كأنا في إكليل)، وهو بكسر الهمزة: التاج، وفي رواية إسحاق عن أنس: (فما يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا تفرجت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة)، والجوبة، بفتح الجيم وسكون الواو وفتح الباء الموحدة: هي الحفرة المستديرة الواسعة، والمراد بها ههنا الفرجة في السحاب، وقال الخطابي: الجوبة هنا الترس، وضبط بعضهم: الجونة بالنون ثم فسره: بالشمس إذا ظهرت في خلل السحاب. وقال عياض: فقد صحف من قال بالنون. وفي رواية إسحاق من الزيادة أيضا: (وسال الوادي وادي قناة شهرا)، وقد فسرنا هذا في كتاب الجمعة في: باب الاستسقاء في الخطبة في الجمعة، وأكثر ما ذكرنا هنا ذكرناه هناك، وإن كان مكررا لزيادة الإيضاح ولسرعة وقوف الطالب للمعاني. قوله: (فسألت أنسا أهو الرجل الأول؟ قال: لا أدري) وفي موضع آخر : (فأتى الرجل فقال: يا رسول الله)، وفي لفظ: (جاء رجل فقال: ادع الله يغثنا، ثم جاء فقال:) وفي لفظ في الأول: (قام أعرابي)، ثم قال في آخره: (فقام ذلك الأعرابي)، قال ابن التين: لعل أنسا تذكر بعد أو نسي بعد ذكره إن كان هذا الحديث قبل قوله: (لا أدري أهو الأول أم لا؟).
ذكر ما يستفاد منه: فيه: جواز مكالمة الإمام في الخطبة للحاجة. وفيه: القيام للخطبة، وأنها لا تنقطع بالكلام ولا تقطع بالمطر وفيه: قيام الواحد بأمر الجماعة. وفيه: سؤال الدعاء من أهل الخير ومن يرجى منه القبول وإجابتهم لذلك. وفيه: تكرار الدعاء ثلاثا. وفيه: إدخال دعاء الاستسقاء في خطبة الجمعة والدعاء على المنبر. وفيه: لا تحويل ولا استقبال. وفيه: الاجتزاء بصلاة الجمعة عن صلاة الاستسقاء. وفيه: امتثال الصحابة بمجرد الإشارة. وفيه: الأدب في الدعاء حيث لم يدع برفع المطر مطلقا لاحتمال الاحتياج إلى استمراره، فاحترز فيه ما يقتضي رفع الضرر وإبقاء النفع. وفيه: أن الدعاء بدفع الضرر لا ينافي
(٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 ... » »»