عمدة القاري - العيني - ج ٦ - الصفحة ٢٨٧
قال له: تمن فقال: أتمنى الجنة، أو لتقدير الله فيها الشعائر من منى الله أي: قدره. قوله: (فبلغ الحجاج) أي: ابن يوسف الثقفي، وكان إذ ذاك أميرا على الحجاز، وذلك بعد قتل عبد الله بن الزبير بسنة، وكان عاملا على العراق عشرين سنة وفعل فيها ما فعل من سفك الدماء والإلحاد في حرم الله وغير ذلك من المفاسد، مات بواسط سنة خمس وتسعين ودفن بها، وعفى قبره وأجري عليه الماء. قوله: (فجاء)، أي: الحجاج (يعوده) أي: يعود عبد الله بن عمر، وهي جملة في محل النصب على الحال. وقوله: (فجاء)، رواية المستملي ويؤيده رواية الإسماعيلي (فآتاه) وفي رواية غيره: (فجعل يعوده)، وهو من أفعال المقاربة التي وضعت للدلالة على الشروع في العمل، ويعود خبره. قوله: (لو نعلم)، بنون المتكلم، (ما أصابك) كذا هو في رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي، وفي رواية غيرهما: (لو نعلم من أصابك)، وجواب: لو، محذوف تقديره: لجازيناه أو عزرناه، والدليل عليه ما جاء في رواية ابن سعد عن أبي نعيم عن إسحاق بن سعيد، فقال فيه: (لو نعلم من أصابك عاقبناه). وله من وجه آخر قال: لو أعلم الذي أصابك لضربت عنقه، ويجوز أن تكون كلمة: لو، للتمني، فلا تحتاج إلى جواب، واعلم أن الإصابة تستعمل متعدية إلى مفعول نحو أصابه سنان الرمح، وإلى مفعولين نحو أنت أصبتني أي سنانه. قوله: (أنت أصبتني) خطاب ابن عمر للحجاج، وفيه نسبة الفعل إلى الآمر بشيء يتسبب منه ذلك الفعل، لكن حكى الزبير في (الأنساب): أن عبد الملك لما كتب إلى الحجاج: أن لا يخالف ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، شق عليه، فأمر رجلا معه حربة، يقال: إنها مسمومة، فلصق ذلك الرجل به، فأمر الحربة على قدمه فمرض منها أياما ثم مات. وذلك في سنة أربع وسبعين. قوله: (قال: وكيف؟) أي: قال الحجاج: وكيف أصبتك. قال ابن عمر: حملت السلاح في يوم أي في يوم العيد لم يكن يحمل فيه سلاح، وأدخلت السلاح في حرم مكة وخالفت السنة من وجهين: لأنه حمل السلاح في غير مكانه وغير زمانه.
ذكر ما يستفاد منه: فيه: أن منى من الحرم. وفيه: المنع من حمل السلاح في الحرم للأمن الذي جعله الله لجماعة المسلمين فيه لقوله تعالى: * (ومن دخله كان آمنا) * (آل عمران: 97). وحمل السلاح في المشاهد التي لا يحتاج إلى الحرب فيها مكروه لما يخشى فيها من الأذى والعقر عند تزاحم الناس، وقد قال صلى الله عليه وسلم للذي رآه يحمل: (أمسك بنصالها لا تعقرن بها مسلما). فإن خافوا عدوا فمباح حملها، كما قال الحسن: وقد أباح الله تعالى حمل السلاح في الصلاة في الخوف. فإن قلت: ذكر في كتاب الصريفيني، لما أنكر عبد الله على الحجاج نصب المنجنيق يعني: على الكعبة، وقتل عبد الله بن الزبير، أمر الحجاج بقتله، فضربه به رجل من أهل الشام ضربة، فلما أتاه الحجاج يعوده قال له عبد الله: تقتلني ثم تعودني؟ كفى الله حكما بيني وبينك؟ هذا صريح بأنه أمر بقتله وهو قاتله، ولهذا قال عبد الله: تقتلني ثم تعودني؟ وفيما حكاه الزبير في (الأنساب) الأمر بالقتل غير صريح، وروى ابن سعد من وجه آخر أن الحجاج دخل على ابن عمر يعوده لما أصيبت رجله، فقال له: يا أبا عبد الرحمن هل تدري من أصاب رجلك؟ قال: لا. قال أما والله لو علمت من أصابك لقتلته! قال: فأطرق ابن عمر، فجعل لا يكلمه ولا يلتفت إليه، فوثب كالمغضب. قلت: يحتمل تعدد الواقعة وتعدد السؤال، وأما أمر عبد الله معه فثلاثة أحوال: الأولى: عرض به، والثانية: صرح به، والثالثة: أعرض عنه ولم يتكلم بشيء. وفيه: ميل من البخاري إلى أن قول الصحابي: كان يفعل كذا، على صيغة المجهول حكم منه برفعه.
967 حدثنا أحمد بن يعقوب قال حدثني إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاصي عن أبيه قال دخل الحجاج على ابن عمر وأنا عنده فقال كيف هو فقال صالح فقال من أصابك قال أصابني من أمر بحمل السلاح في يوم لا يحل فيه حمله يعني الحجاج. (انظر الحديث 966).
مطابقته للجزء الأخير للترجمة وهو قوله: (من أمر بحمل السلاح..) إلخ، وأحمد بن يعقوب أبو يعقوب المسعودي الكوفي، وهو من أفراده، وإسحاق بن سعيد هو أخو خالد بن سعيد الأموي القرشي، مات سنة ست وسبعين ومائة، وأبو سعيد بن عمرو بن سعيد ابن العاص القرشي الأموي، يكنى أبا عثمان، مر في: باب الاستنجاء بالحجارة، وقد مر الكلام فيه. قوله: (يعني: الحجاج) بالنصب على المفعولية، وقائله هو ابن عمر، وزاد الإسماعيلي في هذه الطريق قال: لو عرفناه لعاقبناه، قال: وذلك لأن الناس
(٢٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 ... » »»