عمدة القاري - العيني - ج ٦ - الصفحة ٢٢٣
علامة لعذاب الناس كأنها مقدمة له قوله ' حتى تجلاني ' بفتح التاء المثناة من فوق والجيم وتشديد اللام وأصله تجللني أي علاني وكذا وقع في رواية هناك قوله ' الغشي ' بفتح الغين المعجمة وسكون الشين المعجمة وفي آخره ياء آخر الحروف مخففة من غشي عليه غشية وغشيا وغشيانا فهو مغشي عليه واستغشى بثوبه وتغشى أي تغطي به قوله ' وقد تجلت الشمس ' جملة حالية أي انكشفت قوله ' ثم قال أما بعد ' هذا لم يذكر هناك قال الكرماني كلمة أما لا بد لها من أخت فما هي إذا وقعت بعد الثناء على الله كما هو العادة في ديباجة الرسائل والكتب بأن يقال الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد وأجاب بأن الثناء أو الحمد مقدم عليه كأنه قال أما الثناء على الله فكذا وأما بعد فكذا ولا يلزم في قسيمه أن يصرح بلفظه بل يكتفي ما يقوم مقامه قيل هي من أفصح الكلام وهو فصل بين الثناء على الله وبين الخبر الذي يريد الخطيب إعلام الناس به ومثل هذه الكلمة تسمى بفصل الخطاب الذي أوتي داود عليه الصلاة والسلام لأنه فصل ما تقدم وقال الحسن هي فصل القضاء وهي ' البينة على المدعي واليمين على من أنكر ' قوله ' لغط نسوة من الأنصار ' اللغط بالتحريك الأصوات المختلفة التي لا تفهم قال ابن التين ضبطه بعضهم بفتح الغين وبعضهم بكسرها وهو عند أهل اللغة بالفتح قوله ' فانكفأت ' أي ملت بوجهي ورجعت إليهن لأسكتهن وأصله من كفأت الإناء إذا أملته وكببته قوله ' ما من شيء ' كلمة ما للنفي وكلمة من زائدة لتأكيد النفي وشئ اسم ما وقوله ' لم أكن أريته ' جملة في محل الرفع لأنها صفة لشيء وهو مرفوع في الأصل وإن كان جر بمن الزائدة واسم أكن مستتر فيه وأريته بضم الهمزة جملة في محل النصب لأنها خبر لم أكن قوله ' إلا وقد رأيته ' استثناء مفرغ وتحقيق الكلام قد ذكرناه قوله ' حتى الجنة والنار ' يجوز فيهما الرفع على أن تكون حتى ابتدائية ورفع الجنة على الابتداء محذوف الخبر تقديره حتى الجنة مرئية والنار عطف عليها ويجوز فيهما النصب على أن تكون حتى عاطفة على الضمير المنصوب في رأيته ويجوز الجر أيضا على أن تكون حتى جارة قوله ' أوحي إلي ' على صيغة المجهول قوله ' أنكم ' بفتح الهمزة قوله ' مثل أو قريبا ' أصله مثل فتنة الدجال أو قريبا من فتنة الدجال وتحقيقه قد مر قوله ' يؤتى ' على صيغة المجهول قوله ' الموقن ' أي المصدق بنبوة محمد أو الموقن بنبوته قوله ' صالحا ' أي منتفعا بأعمالك قوله ' أن كنت ' أن هذه مخففة من الثقيلة أي أن الشأن كنت وهي مكسوة ودخلت اللام في قوله ' لموقنا ' لتفرق بين أن هذه وبين أن النافية قوله ' المنافق ' هو المظهر خلاف ما يبطن والمرتاب الشاك وهو في مقابلة الموقن وهذا اللفظ مشترك فيه الفاعل والمفعول والفرق تقديري قوله ' فأوعيته ' الأصل في مثل هذا أن يقال وعيته يقال وعيت العلم وأوعيت المتاع وقال ابن الأثير في حديث الإسراء ذكر في كل سماء أنبياء قد سماهم فأوعيت منهم إدريس في الثانية هكذا روي فإن صح فيكون معناه أدخلته في وعاء قلبي يقال أوعيت الشيء في الوعاء إذا أدخلته فيه ولو روى وعيت بمعنى حفظت لكان أبين وأظهر يقال وعيت الحديث أعيه وعيا فأنا واع إذا حفظته وفهمته وفلان أوعى من فلان أي أحفظ وأفهم وههنا كذلك إن صحت الرواية فيكون معناه أدخلته في وعاء قلبي وإلا فالقياس وعيته بدون الهمزة فافهم وفي بعض النسخ فوعيته على الأصل قوله ' ما يغلظ عليه ' ويروى ' ما يغلظ فيه ' (وما يستفاد منه) الافتتان في القبر وهو الاختبار ولا فتنة أعظم من هذه الفتنة وقد وردت فيه أحاديث كثيرة. منها حديث أبي هريرة أخرجه الترمذي من رواية سعيد بن أبي سعيد المقبري عنه قال قال رسول الله ' إذا قبر الميت أو قال أحدكم أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر وللآخر النكير فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول ما كان يقول هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول هذا ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين ثم ينور له فيه ثم يقال له نم فيقول أرجع إلى أهلي فأخبرهم فيقولان نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك فإن كان منافقا قال سمعت الناس يقولون فقلت مثله لا أدري فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول ذلك فيقال للأرض التئمي عليه فتلتئم عليه فتختلف أضلاعه فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك ' انفرد بإخراجه الترمذي من هذا الوجه وله طريق آخر من رواية
(٢٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 ... » »»