عمدة القاري - العيني - ج ٦ - الصفحة ١٨١
هو واجب لكل صلاة فمن تركه عامدا بطلت صلاته، وعن داود: أنه واجب ولكنه ليس بشرط، واحتج من قال بوجوبه بورود الأمر به، فعند ابن ماجة في حديث أبي أمامة مرفوعا: (تسوكوا)، ولأحمد نحوه من حديث العباس، وقالوا: في حديث أبي هريرة المذكور دليل على أن الأمر للوجوب من وجهين: أحدهما: أنه نفي الأمر مع ثبوت الندبية، ولو كان للندب لما جاز النفي. والآخر: أنه جعل الأمر مشقة عليهم، وذلك إنما يتحقق إذا كان الأمر للوجوب، إذ الندب لا مشقة فيه لأنه جائز الترك. قلت: الجواب أن شيئا من الأحاديث المذكورة لم يثبت، وثبوت الندبية بدليل آخر، والحديث نفي الفرضية بما ذكرنا والسنية أو الندبية بدلائل أخرى. وقال الشافعي: فيه دليل على أن السواك ليس بواجب، لأنه لو كان واجبا لأمرهم به، شق عليهم أو لم يشق، والعجب من صاحب (الهداية) يقول: السواك سنة لأنه صلى الله عليه وسلم كان يواظب عليه، ولم يذكر شيئا من الأحاديث الدالة على المواظبة، وقد علم أن مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على فعل شيء يدل على أن ذلك واجب، وأعجب منه ما قاله الشراح (للهداية): أن المواظبة مع الترك دليل السنية، وقد دل على تركه حديث الأعرابي، فإنه لم ينقل فيه تعليم السواك، فلو كان واجبا لعلمه. قلت: فيه نظر من وجهين. الأول: أنهم لم يأتوا بحديث فيه تصريح بأنه صلى الله عليه وسلم تركه في الجملة. والثاني: أن حديث الأعرابي لا يتم به استدلالهم، لأن العلماء اختلفوا في السواك، فقال بعضهم: هو من سنة الدين، وقال بعضهم: هو من سنة الوضوء، وقال آخرون: من سنة الصلاة. وقول من قال: إنه من سنة الدين أقوى، نقل ذلك عن أبي حنيفة. وفيه أحاديث تدل على ذلك. منها: ما رواه أحمد والترمذي من حديث أبي أيوب، رضي الله تعالى عنه: (أربع من سنن المرسلين: الختان والسواك والتعطر والنكاح) ورواه ابن أبي خيثمة وغيره من حديث فليح بن عبد الله عن أبيه عن جده نحوه، ورواه الطبراني من حديث ابن عباس . ومنها: ما رواه مسلم من حديث عائشة، رضي الله تعالى عنها: (عشر من الفطرة...) فذكر فيها السواك. ومنها: ما رواه البزار من حديث أبي هريرة: (الطهارات أربع: قص الشارب وحلق العانة وتقليم الأظافر والسواك)، ورواه الطبراني من حديث أبي الدرداء.
الوجه الثاني: في بيان وقت الاستياك. فعند أكثر أصحابنا وقته وقت المضمضة، وذكر صاحب (المحيط) وغيره: إن وقته وقت الوضوء، إلا أن المنقول عن أبي حنيفة أنه من سنن الدين، فحينئذ يستوي فيه كل الأحوال، وذكر في (كفاية المنتهي): أنه يستاك قبل الوضوء، وعند الشافعي: هو سنة القيام إلى الصلاة وعند الوضوء وعند كل حال يتغير فيها الفم.
الوجه الثالث: في كيفية الاستياك: قال أصحابنا يستاك عرضا لا طولا، عند مضمضة الوضوء. وأخرج أبو نعيم من حديث عائشة، قالت: (كان صلى الله عليه وسلم يستاك عرضا لا طولا). وفي (مراسيل) أبي داود (إذا استكتم فاستاكوا عرضا) وأخرج الطبراني بإسناده إلى بهز، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يستاك عرضا). وعن إمام الحرمين أنه يمر السواك على طول الأسنان وعرضها، فإن اقتصر على أحدهما فالعرض أولى. وقال غيره من أصحاب الشافعي: يستاك عرضا لا طولا، ويأخذ السواك باليمنى، والمستحب فيه ثلاث بثلاث مياه.
الوجه الرابع: في أنه لا تقدير في السواك، بل يستاك إلى أن يطمئن قلبه بزوال النكهة واصفرار السن، ويقول عند الاستياك، اللهم طهر فمي ونور قلبي وطهر بدني وحرم جسدي على النار وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين. وفي (المحيط): العلك للمرأة يقوم مقام السواك لأن أسنانها ضعيفة يخاف منها السقوط، وهي ينقي الأسنان ويشد اللثة كالسواك.
الوجه الخامس: فيمن لا يجد السواك يعالج بالأصبع، لما روى البيهقي في (سننه) من حديث أنس، رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يجزئ من السواك الأصابع)، وضعفه. وروى الطبراني في (الأوسط) من حديث عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت: (قلت: يا رسول الله! الرجل يدهن فوه أيستاك؟ قاال: نعم. قلت: كيف يصنع؟ قال: يدخل إصبعه في فيه).
الوجه السادس: فيما يستاك به وما لا يستاك به: المستحب أن يستاك بعود من أراك، وروى البخاري في (تاريخه) وغيره من حديث أبي خيرة الصباحي: (كنت في الوفد فزودنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأراك، وقال: استاكوا بهذا). وروى الطبراني في (الأوسط) من حديث معاذ بن جبل، رضي الله تعالى عنه، قال: (سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: (نعم السواك الزيتون من شجرة مباركة يطيب الفم ويذهب بالخفر وهو سواكي وسواك الأنبياء قبلي). وروى الحارث في (مسنده) عن ضمرة بن حبيب، قال: (نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم عن السواك بعود الريحان، وقال: إنه يحرك الجذام).
الوجه السابع: في
(١٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 ... » »»