واقتضى الإثبات أن لفعل الذبح واقع بلا شك (قلت) ليس فعل الذبح مستفادا من كاد بل من قوله * (فذبحوها) * والمعنى فذبحوها مجبرين وما قاربوا فعل الذبح مختارين أو نقول فذبحوها بعد التراخي وما كادوا يفعلون على الفور بدليل أنهم سألوا سؤالا بعد سؤال ولم يبادروا إلى الذبح من حين أمروا به قوله ' بطحان ' بضم الباء الموحدة وسكون الطاء وقيل بفتح أوله وكسر ثانيه وهو واد بالمدينة قوله ' فصلى العصر ' أي صلاة العصر ووقع في الموطأ من طريق أخرى أن الذي فاتهم الظهر والعصر وفي حديث أبي سعيد الخدري الذي ذكرناه عن قريب الظهر والعصر والمغرب وفي لفظ النسائي ' حبسنا عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء ' وعند الترمذي من حديث أبي عبيدة عن أبيه ' أن المشركين شغلوا النبي عن أربع صلوات يوم الخندق ' الحديث وقال بعضهم وفي قوله ' أربع ' تجوز لأن العشاء لم تكن فاتت (قلت) معناه أن العشاء فاتته عن وقتها الذي كان يصليها فيها غالبا وليس معناه أنها فاتت عن وقتها المعهود وقال ابن العربي الصحيح أن الصلاة التي شغل عنها واحدة وهي العصر ويؤيد ذلك ما رواه مسلم من حديث علي رضي الله تعالى عنه ' شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ' قال ومنهم من جمع بأن الخندق كانت وقعته أياما وكان ذلك في أوقات مختلفة في تلك الأيام قال وهذا أولى (فإن قلت) تأخير النبي الصلاة في ذلك اليوم كان نسيانا أو عمدا فقيل كان نسيانا ويمكن أن يستدل له بما رواه أحمد في مسنده من حديث ابن لهيعة أن أبا جمعة حبيب بن سباع قال ' أن رسول الله عام الأحزاب صلى المغرب فلما فرغ قال هل علم أحد منكم أني صليت العصر قالوا لا يا رسول الله ما صليتها فأمر المؤذن فأقام فصلى العصر ثم أعاد المغرب ' وقيل كان عمدا لكنهم شغلوه ولم يمكنوه من ذلك وهو أقرب (فإن قلت) هل يجوز اليوم تأخير الصلاة بسبب الاشتغال بالعدو والقتال (قلت) اليوم لا يجوز تأخيرها عن وقتها بل يصلي صلاة الخوف وكان ذلك الاشتغال عذرا في التأخير لأنه كان قبل نزول صلاة الخوف (ذكر ما يستنبط منه) فيه جواز سب المشركين ولكن المراد ما ليس بفاحش إذ هو اللائق بمنصب عمر رضي الله تعالى عنه. وفيه جواز الحلف من غير استحلاف إذا ثبتت على ذلك مصلحة دينية وقال النووي هو مستحب إذا كانت فيه مصلحة من توكيد الأمر أو زيادة طمأنينة أو نفي توهم نسيان أو غير ذلك من المقاصد الصالحة وإنما حلف النبي تطبيبا لقلب عمر لما شق عليه تأخيرها وقيل يحتمل أنه تركها نسيانا لاشتغاله بالقتال فلما قال عمر ذلك تذكر وقال والله ما صليتها وفي رواية مسلم ' والله إن صليتها ' وإن بمعنى ما. وفيه أن الظاهر أنه صلاها بجماعة فيكون فيه دلالة على مشروعية الجماعة في الفائتة وهذا بالإجماع وشذ الليث فمنع من ذلك ويرد عليه هذا الحديث وحديث الوادي وفيه احتجاج من يرى امتداد وقت المغرب إلى مغيب الشفق لأنه قدم العصر عليها ولو كان ضيقا لبدأ بالمغرب لئلا يفوت وقتها أيضا وهو حجة على الشافعي في قوله الجديد في وقت المغرب أنه مضيق وقته. وفيه دليل على عدم كراهية من يقول ما صليت وروى البخاري عن ابن سيرين أنه كره أن يقال فاتتنا وليقل لم ندرك وقال البخاري وقول النبي أصح. وفيه ما كان النبي عليه من مكارم الأخلاق وحسن التأني مع أصحابه وتألفهم وما ينبغي الاقتداء به في ذلك. وفيه ما يدل على وجوب الترتيب بين الصلاة الوقتية والفائتة وهو قول النخعي والزهري وربيعة ويحيى الأنصاري والليث وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ومالك وأحمد وإسحاق وهو قول عبد الله بن عمر وقال طاوس الترتيب غير واجب وبه قال الشافعي وأبو ثور وابن القاسم وسحنون وهو مذهب الظاهرية ومذهب مالك وجوب الترتيب كما قلنا ولكن لا يسقط بالنسيان ولا بضيق الوقت ولا بكثرة الفوائت كذا في شرح الإرشاد وفي شرح المجمع والصحيح المعتمد عليه من مذهب مالك سقوط الترتيب بالنسيان كما نطقت كتب مذهبه وعند أحمد لو تذكر الفائتة في الوقتية يتمها ثم يصلي الفائتة ثم يعيد الوقتية وذكر بعض أصحابه أنها تكون نافلة وهذا يفيد وجوب الترتيب وعند زفر من ترك صلاة شهر بعد المتروكة لا تجوز الحاضرة وقال ابن أبي ليلى من ترك صلاة لا تجوز صلاة سنة بعدها واستدل صاحب الهداية وغيره في مذهبنا بما رواه الدارقطني ثم البيهقي في سننيهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله
(٩١)