* قفا نبك * ومراده الخطاب للواحد، وكذلك يأتي في الجمع، وقال التيمي: المراد من قوله: أذنا الفضل وإلا فأذان الواحد يجزئ.
ذكر اختلاف ألفاظ هذا الحديث): الرواية ههنا: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومي)، وعن خالد بن أبي قلابة في باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة: (أتى رجلان النبي صلى الله عليه وسلم يريدان السفر، فقال إذا أنتما خرجتما فأذنا ثم أقيما ثم ليؤمكما أكبركما). وفي: باب: الاثنان فما فوقهما جماعة: (إذا حضرت الصلاة فأذنا...) الحديث. وفي باب: إذا استووا في القراءة: (فليؤمهم أكبرهم)، قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، وفيه: (لو رجعتم إلى بلادكم فعلمتموهم فليصلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا. وفي إجازة خبر الواحد: (فلما ظن أنا قد اشتقنا إلى أهلنا سألنا عمن تركنا بعدنا، فأخبرناه، فقال: إرجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم، ومروهم... وذكر أشياء أحفظها أو لا أحفظها وصلوا كما رأيتموني أصلي...) الحديث. وفي باب رحمة الناس والبهائم، نحوه. وعند أبي داود: (كنا يومئذ متقاربين في العلم). وفي رواية لأبي قلابة: (فأين القرآن؟ قال: إنهما كانا متقاربين). وفي رواية ابن حزم: (متقارنين)، بالنون في الموضعين، من: المقارنة. يقال: فلان قرين فلان، إذا كان قرينه في السن، وكذا إذا كان في العلم. وقال القرطبي: يحتمل أن تكون هذه الألفاظ المتعددة كانت منه في وفادتين أو في وفادة واحدة، غير أن النقل تكرر منه، ومن النبي صلى الله عليه وسلم.
ذكر ما يستفاد منه: فيه: الأمر بأذان للجماعة، وهو عام للمسافر وغيره، وكافة العلماء على استحباب الأذان للمسافر، إلا عطاء فإنه قال: إذا لم يؤذن ولم يقم أعاد الصلاة، وإلا مجاهدا فإنه قال: إذا نسي الإقامة أعاد، وأخذا بظاهر الأمر، وهو: أذنا وأقيما. وقيل: الإجماع صارف عن الوجوب، وفيه نظر، وحكى الطبري عن مالك أنه: يعيد إذا ترك الأذان، ومشهور مذهبه الاستحباب. وفي (المختصر) عن مالك: ولا أذان على مسافر، وإنما الأذان على من يجتمع إليه لتأذينه، وبوجوبه على المسافر قال داود. قالت طائفة: هو مخير، إن شاء أذن وأقام، وروي ذلك عن علي، رضي الله تعالى عنه، وهو قول عروة والثوري والنخعي. وقالت طائفة: تجزيه الإقامة، روي ذلك عن مكحول والحسن والقاسم، وكان ابن عمر يقيم في السفر لكل صلاة إلا الصبح فإنه كان يؤذن لها ويقيم. وقال قاضيخان: من أصحابنا رجل صلى في سفر أو في بيته بغير أذان وإقامة يكره. قال: فالكراهة مقصورة على المسافر، ومن صلى في بيته فالأفضل له أن يؤذن ويقيم ليكون على هيئة الجماعة، ولهذا كان الجهر بالقراءة في حقه أفضل. وقال القرطبي في قوله: (ثم ليؤمكما أكبركما) يدل على تساويهما في شروط الإمامة، ورجح أحدهما بالسن. قلت: لأن هؤلاء كانوا مستورين في باقي الخصال، لأنهم هاجروا جميعا، وأسلموا جميعا وصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولازموه عشرين ليلة، فاستووا في الأخذ عنه. فلم يبق ما يقدم به إلا السن.
وفيه: حجة لأصحابنا في تفضيل الإمامة على الأذان لأنه صلى الله عليه وسلم قال: (ليؤمكما أكبركما) خص الإمامة بالأكبر.
وفيه: دليل على أن الجماعة تصح بإمام ومأموم، وهو إجماع المسلمين.
وفيه: الحض على المحافظة على الأذان في الحضر والسفر.
وفيه: أن الأذان والجماعة مشروعان على المسافرين.
[* * * رم 18 (()) باب الآذان للمسافرين إذا كانوا جماعة والإقامة أي: هذا باب في بيان حكم الأذان للمسافرين، وأشار بهذه الترجمة إلى أن للمسافر أن يؤذن. وقوله: إذا كانوا جماعة. هو مقتضى أحاديث الباب، ولكن ليس فيها ما يمنع أذان المنفرد. وقوله: (للمسافرين)، بلفظ الجمع هو رواية الكشميهني، وهو مناسب لقوله: (إذا كانوا جماعة)، وفي رواية الباقين: (للمسافر)، بلفظ الإفراد، فيؤول على أن تكون الألف واللام فيه للجنس، وفيه معنى الجمع فحصلت المناسبة من هذا الوجه. قوله: (والإقامة)، بالجر عطفا على الآذان.
وكذلك بعرفة وجمع أي: وكذلك الأذان والإقامة بعرفة وجمع، بفتح الجيم وسكون الميم: وهو المزدلفة، سميت بجمع لاجتماع الناس فيها ليلة العيد. وأما عرفة فإنها تطلق على الزمان، وهو التاسع من ذي الحجة، وعلى المكان وهو الموضع المعروف الذي يقف فيه الحجاج يوم عرفة، ولم يذكر في: جمع، حديثا، فكأنه اكتفى بحديث ابن مسعود الذي ذكره في كتاب الجمع، وفيه: أنه صلى المغرب بأذان وإقامة، والعشاء بأذان وإقامة، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله، وكذلك لم يذكر في عرفة شيئا، وقد روى جابر في حديث طويل أخرجه مسلم، وفيه: (أن بلالا أذن وأقام لما جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر يوم عرفة).
وقول المؤذن الصلاة في الرحال في الليلة الباردة أو المطيرة وقول: مجرور أيضا عطفا على قوله: (والإقامة)، وإلى هنا كله من الترجمة. قوله: (الصلاة)، بالنصب أي: أدوها، ويروى بالرفع على أنه مبتدأ وخبره قوله: (في الرحال)، تقديره: الصلاة تصلى في الرحال. وهو جمع: رحل، ورحل الشخص: منزله. قوله: (أو المطيرة) بفتح الميم، على وزن: فعيلة، بمعنى: الماطرة. وإسناد المطر إلى الليلة بالمجاز، إذ الليل ظرف له لا فاعل، وللعلماء في: أنبت الربيع البقل، أقوال أربعة: مجاز في الإسناد، أو في أنبت، أو في الربيع، وسماه السكاكي: استعارة بالكناية، أو المجموع مجاز عن المقصود، وذكر الإمام الرازي أن المجاز العقلي، وإنما لم يجعل المطيرة بمعنى الممطور فيها لأن فعيلة إنما تجعل بمعنى مفعولة إذا لم يذكر موصوفها معها، وههنا الليلة موصوفها مذكور، فلذلك دخلها تاء التأنيث، وعند عدم ذلك لا تدخل فيها تاء التأنيث.
629 حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا شعبة عن المهاجر بن أبي الحسن عن زيد بن وهب عن أبي ذر قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأراد المؤذن أن يؤذن فقال له أبرد ثم أراد أن يؤذن فقال له أبرد ثم أراد إن يأذن فقال له أبردحتى ساوى الظل التلول فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن شدة الحر من فيح جهنم.
مطابقته للترجمة من حيث إن المؤذن أراد أن يؤذن فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإبراد ثلاث مرات، ولم يتعرض إلى ترك الأذان، فدل على أنه أذن بعد الإبراد الموصوف، وأقام، وأنه صلى الله عليه وسلم مع الصحابة كانوا في سفر، فطابق الحديث الترجمة من هذه الحيثية. فإن قلت: لا دلالة هنا على الإقامة، والترجمة مشتملة على الأذان والإقامة معا؟ قلت: المقصود هو الدلالة