عمدة القاري - العيني - ج ٥ - الصفحة ١٣٥
المفرد، ولم يذكره غيره. وفي الأصبع عشر لغات: فتح الهمزة، وضمها، وكسرها، وكذلك الباء فهذه تسع لغات، والعاشر الأصبوع، والسبابة من الأصابع التي تلي الإبهام، وسميت بذلك لأن الناس يشيرون بها عند الشتم. قوله: (إلى فوق) روي مبنيا على الضم على نية الإضافة، ومنونا بالجر على عدم نيتها، وهكذا حكم الأسفل لكنه غير منصرف فجره بالفتح، وكذا سائر الظروف التي تقطع عن الإضافة، وقرئ بهما في قوله تعالى: * (لله الأمر من قبل ومن بعد) * (الروم: 4). قوله: (وطأطأ) على وزن: دحرج، أي: خفض إصبعيه إلى أسفل، وهذا هو الإشارة إلى كيفية الصبح الصادق، وفي رواية الإسماعيلي من طريق عيسى بن يونس عن سليمان قال: الفجر ليس هكذا، ولكن الفجر هكذا واختلف ألفاظ الرواة في هذا فقال بعضهم وأخصر ما وقع فيهل رواية جرير عن سليمان عند مسلم (ليس الفجر المعترض ولكن المستطيل). قلت: رواية مسلم: (لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال، ولا بياض الأفق المستطيل، هكذا، حتى يستطير هكذا). وحكاه حماد بن زيد، وقال: يعني معترضا. وفي رواية أبي الشيخ من طريق شعبة عن سوادة: سمعت سمرة يخطب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغرنكم أذان بلال، ولا هذا البياض حتى يبرق الفجر أو ينفجر الفجر).
ذكر ما يستفاد منه فيه: أن الأذان الذي كان يؤذن به بلال، رضي الله تعالى عنه، كان لرجع القائم وإيقاظ النائم، وبه قال أبو حنيفة. قال: ولا بد من أذان آخر، كما فعل ابن أم مكتوم، وهو قول النووي أيضا، وقد ذكرنا اختلاف العلماء فيه فيما مضى، وقال أبو الفتح القشيري: الذين قالوا بجواز الأذان للصبح قبل دخول الوقت اختلفوا في وقته، فذكر بعض الشافعية أنه يكون في وقت السحر بين الفجر الصادق والكاذب، ويكره التقديم على ذلك الوقت، وعند البعض: يؤذن عند انقضاء صلاة العتمة من نصف الليل، وقيل: عند ثلث الليل، وقيل: عند سدسه الآخر.
وقال أبو يوسف وأحمد ومالك في قول الجواز: من نصف الليل، وهو الأصح من أقوال أصحاب الشافعي، رضي الله تعالى عنه. والقول الثاني: عند طلوع الفجر في السحر، وقال النووي: وبه قطع البغوي وصححه القاضي حسين والمتولي. والثالث: يؤذن لها في الشتاء لسبع يبقى من الليل، وفي الصيف لنصف سبع يبقى. والرابع: من ثلث الليل آخر الوقت المختار. والخامس: جميع الليل وقت لأذان الصبح، حكاه إمام الحرمين، وقال: لولا حكاية أبي علي له، وأنه لم ينقل إلا ما صح عنده لما استجزت نقله، وكيف يحسن الدعاء لصلاة الصبح في وقت الدعاء للمغرب؟ والسرف في كل شيء مطروح، وأما السبع ونصف السبع فحديث باطل عند أهل الحديث، وإنما رواه الشافعي عن بعض أصحابه عن الأعرج عن إبراهيم بن محمد عن عمارة عن أبيه عن جده عن سعيد القرظي، وهو مخالف لمذهبه فإنه قال: كان آذاننا في الشتاء لسبع ونصف السبع يبقى من الليل، وفي الصيف لسبع يبقى منه، وقال ابن الأثير في (شرح المسند)، وتقديم الأذان على الفجر مستحب، وبه قال مالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وأبو يوسف. وقال بعضهم: ادعى بعض الحنفية كما حكاه السروجي عنهم أن النداء قبل الفجر لم يكن بألفاظ الأذان، وإنما كان تذكيرا أو تسحيرا، كما يقع للناس اليوم، وهذا مردود لأن الذي يصنعه الناس اليوم محدث قطعا، وقد تظافرت الطرق على التعبير بلفظ الأذان فحمله على معناه الشرعي مقدم. قلت: لفظ الأذان يتناول معناه اللغوي والشرعي، وقد قام دليل من الشارع أن المراد من أذان بلال ليس معناه الشرعي، وهو أذان ابن أم مكتوم، إذ لو لم يكن كذلك لم يوجد الفرق بين أذانيهما، والحال أن الشارع فرق بينهما، وقد قال: أن أذان بلال لإيقاظ النائم ولرجع القائم، وقال لهم: لا يغرنكم أذان بلال. وجعل أذان ابن أم مكتوم وهو الأصل كما قررناه فيما مضى، وتظافر الطرق لا يصادم ما ذكرناه.
وفيه: بيان الفجر الكاذب والصادق.
وفيه: زيادة الإيضاح بالإشارة تأكيدا للتعليم، وقال المهلب يؤخذ منه أن الإشارة تكون أقوى من الكلام.
622 حدثنا إسحاق قال أخبرنا أبو أسامة قال عبيد الله حدثنا عن القاسم بن محمد عن عائشة وعن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحدثني يوسف بن عيسى المروزي قال حدثنا الفضل قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم.
(١٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 ... » »»