بهذا أن الصور التي تكون فيما تبسط وتفترش وتمتهن خارجة عن النهي الوارد في هذا الباب، وبه قال الثوري والنخعي ومالك وأحمد في رواية، وقال أبو عمر: ذكر أبو القاسم، قال: كان مالك يكره التماثيل في الأسرة والقباب، وأما البسط والوسائد والثياب فلا بأس به. وكره أن يصلي إلى قبة فيها تماثيل. وقال الثوري: لا بأس بالصور في الوسائد لأنها توطأ ويجلس عليها، وكان أبو حنيفة وأصحابه يكرهون التصاوير في البيوت بتمثال، ولا يكرهون ذلك فيما يبسط، ولم يختلفوا أن التصاوير في الستور المعلقة مكروهة، وقال أبو عمر: وكره الليث التماثيل في البيوت والأسرة والقباب والطساس والمنارات إلا ما كان رقما في ثوب، وأما الشافعية فإنهم كرهوا الصور مطلقا، سواء كانت على الثياب أو على الفرش والبسط ونحوها، واحتجوا بعموم الأحاديث الواردة في النهي عن ذلك، ولم يفرقوا في ذلك، وا تعالى أعلم.
61 ((باب من صلى في فروج حرير ثم نزعه)) أي: هذا باب يذكر فيه من صلى، وهو لابس فروجا من حرير ثم نزعه، وهو حكاية ما وقع من النبي في ذلك، والفروج، بفتح الفاء وضم الراء المشددة وفي آخره جيم، وقال أبو عبد ا: هو القباء الذي شق من خلفه، وقال يحيى بن بكير: سألت الليث بن سعد عن الفروج، فقال: القبا، وعن ابن الجوزي بإسناده عن أبي العلاء المعري: يقال، فيه بضم الفاء من غير تشديد على وزن: خروج، وقال القرطبي: قيد بفتح الفاء وضمها، والضم المعروف، وأما الراء فمضمومة على كل حال مشددة، وقد تخفف. وقال ابن قرقول بفتح الفاء والتشديد في الراء، ويقال: بتخفيفها أيضا. وقال القرطبي: القباء والفروج كلاهما: ثوب ضيق الكمين ضيق الوسط مشقوق من خلف يشمر فيه للحرب والأسفار، وقوله: (حرير) بالجر صفة الفروج.
41 - (حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا الليث عن يزيد عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال أهدي إلى النبي فروج حرير فلبسه فصلى فيه ثم انصرف فنزعه نزعا شديدا كالكاره له وقال لا ينبغي هذا للمتقين) مطابقته للترجمة ظاهرة.
(ذكر رجاله) وهم خمسة. الأول عبد الله بن يوسف التنيسي تكرر ذكره. الثاني الليث بن سعد وقال الكرماني عرض عليه المنصور ولاية مصر فاستعفى (قلت) قد قيل أنه ولي مدة يسيرة وكان على مذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه. الثالث يزيد بن حبيب. الرابع أبو الخير مرثد بفتح الميم وبالثاء المثلثة اليزني بفتح الياء آخر الحروف والزاي بعدها النون المكسورة. الخامس عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه روى له خمسة وخمسون حديثا للبخاري منها ثمانية كان واليا على مصر لمعاوية مات بها سنة ثمان وخمسين.
(ذكر لطائف إسناده) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول وفيه بعد قوله عن يزيد هو ابن أبي حبيب في رواية الأصيلي وفيه أن رواته كلهم مصريون.
(ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره) أخرجه البخاري أيضا في اللباس عن قتيبة عن الليث وأخرجه مسلم عن قتيبة به وعن أبي موسى وأخرجه النسائي في الصلاة عن قتيبة وعيسى بن حماد كلاهما عن الليث به.
(ذكر معناه) قوله ' أهدي ' على صيغة المجهول من الماضي وكان الذي أهداه إلى النبي أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل وذكر أبو نعيم أنه أسلم وأهدى إلى النبي حلة سيراء وقال ابن الأثير أهدى لرسول الله وصالحه ولم يسلم وهذا لا خلاف فيه بين أهل السير ومن قال أنه أسلم فقد أخطأ خطأ ظاهر أو كان نصرانيا ولما صالحه النبي عاد إلى حصنه وبقي فيه ثم أن خالدا أسره لما حاصر دومة الجندل أيام أبي بكر رضي الله عنه فقتله مشركا نصرانيا وأكيدر بضم الهمزة ودومة الجندل اسم حصن قال الجوهري أصحاب اللغة يقولون بضم الدال وأهل الحديث يفتحونها وهو اسم موضع فاصل بين الشام والعراق على سبعة مراحل من دمشق وعلى ثلاثة عشر مرحلة من المدينة قوله ' فروج حرير ' بالإضافة كما في ثوب خز وخاتم فضة ويجوز أن يكون حرير صفة لفروج والإعراب يحتمل ذلك والكلام في الرواية والظاهر أنها الأول قوله ' ثم انصرف ' أي من صلاته واستقبال القبلة قوله ' لا ينبغي هذا للمتقين ' أي للمتقين عن الكفر أي المؤمنين أو عن المعاصي كلها