عمدة القاري - العيني - ج ٤ - الصفحة ١٠٣
جيد يحمل إلى القرى فيبنى عليه بيوت المدر، ورقه هدي رقاق وليس له شوك، ومنه تصنع القصاع والأواني الصغار والكبار والمكاييل والأبواب، وهو النضار. وقال أبو عمر: وهو أجود الخشب للآنية، وأجود النضار الورس لصفرته، ومنبر رسول الله نضار. وفي (الواعي): الأثلة خمصة مثل الأشنان ولها حب مثل حب التنوم ولا ورق لها وإنما هي أشنانة يغسل بها القصارون، غير أنها ألين من الأشنان. وقال القزاز: هو ضرب من الشجر يشبه الطرفاء وليس به، وهو أجود منه عودا، ومنه تصنع قداح الميسر. والتنوم، بفتح التاء المثناة من فوق وضم النون المشددة وبعد الواو الساكنة ميم: وهو نوع من نبات الأرض فيه ثمر وفي ثمره سواد قليل.
و: الغابة، بغين معجمة وباء موحدة: أرض على تسعة أميال من المدينة كانت إبل النبي مقيمة بها للرعي وبها وقعت قصة العرنين الذين أغاروا على سرحه، وقال ياقوت: بينها وبين المدينة أربعة أميال. وقال البكري: هما غابتان عليا وسفلى. وقال الزمخشري: الغابة بريد من المدينة من طريق الشام. قال الواقدي، ومنها صنع المنبر. وفي (الجامع): كل شجر ملتف فهو غابة. وفي (المحكم): الغابة الأجمة التي طالت ولها أطراف مرتفعة باسقة. وقال أبو حنيفة: هي أجمة القصب، قال: وقد جعلت جماعة الشجر غابا مأخوذ من الغيابة، والجمع: غابات وغياب، و: الطرفاء، بفتح الطاء وسكون الراء المهملتين ممدودة: شجر من شجر البادية واحدها: طرفة، مثل: قصبة وقصباء، وقال سيبويه: الطرفاء واحد وجمع. قوله: (عمله فلان) بالتنوين لأنه منصرف، لأنه كناية عن علم المذكر بخلاف: فلانة، فإنه كناية عن علم المؤنث، والمانع من صرفه وجود العلتين وهما: العلمية والتأنيث، واختلفوا في اسم: فلان، الذي هو نجار منبره، ففي (كتاب الصحابة) لابن أمين الطليطلي: إن اسم هذا النجار: قبيصة المخزومي. قال: ويقال: ميمون. وقال: وقيل: صلاح غلام العباس ابن عبد المطلب، وقال ابن بشكوال: وقيل: ميناء. وقيل: إبراهيم. وقيل: باقوم، بالميم في آخره. وقال ابن الأثير: كان روميا غلاما لسعيد بن العاص مات في حياة النبي، وروى أبو سعد في (شرف المصطفى) من طريق ابن لهيعة: عن عمارة بن غزية عن بعاس بن سهل عن أبيه قال: كان بالمدينة نجار واحد يقال له ميمون، فذكر قصة المنبر. وقال ابن التين: عمله غلام لسعد بن عبادة. وقيل: لامرأة من الأنصار وقال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي، قال: حدثنا إبراهيم بن أبي داود عن نافع: (عن ابن عمر أن النبي، لما بدا قال له تميم الداري ألا اتخذ لك منبرا يا رسول ا تجمع أو تحمل عظامك؟. قال: بلى، فاتخذ له منبرا مرقاتين). وفي (طبقات ابن سعد) من حديث أبي هريرة وغيره، قالوا: (كان النبي، يخطب يوم الجمعة إلى جذع فقال: إن القيام يشق عليه، فقال تميم الداري ألا أعمل لك منبرا كما رأيته بالشام؟ فشاور النبي، المسلمين في ذلك فروا أن يتخذه، فقال العباس بن عبد المطلب: إن لي غلاما يقال له: كلاب، أعمل الناس. فقال النبي: مره أن يعمله، فعلمه درجتين ومقعدا، ثم جاء به فوضعه في موضعه). وعند ابن سعد أيضا بسند صحيح: (إن الصحابة قالوا: يا رسول ا إن الناس قد كثروا فلو اتخذت شيئا تقوم عليه إذا خطبت قال: ما شئتم؟ قال سهل: ولم يكن بالمدينة إلا نجار واحد، فذهبت أنا وذاك النجار إلى الغابتين، فقطعت هذا المنبر من أثله). وفي لفظ: (وحمل سهل منهن خشبة).
قوله: (مولى فلانة)، لم يعرف اسمها، ولكنها أنصارية، ووقع في (الدلائل) لأبي موسى المدني، نقلا عن جعفر المستغفري: أنه قال في أسماء النساء من الصحابة: علاثة، بالعين المهملة وبالثاء المثلثة، ثم ساق هذا الحديث من طريق يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم، وقال فيه: (أرسل إلى علاثة امرأة) قد سماها سهل، ثم قال أبو موسى: صحف فيه جعفر أو شيخه، وإنما هي فلانة. وقال الحافظ الذهبي: علاثة، في حديث سهل: (أن مري غلامك النجار أن يعمل لي أعوادا) وإنما هي فلانة، وقال الكرماني: قيل في فلانة: اسمها عائشة الأنصارية، وقال بعضهم: وأظنه صحف المصحف قلت: هذا الطبراني روى في معجمه الأوسط من حديث جابر رضي ا تعالى عنه، (أن رسول ا عليه الصلاة والسلام، كان يصلي إلى سارية المسجد ويخطب إليها ويعتمد عليها، وأمرت عائشة فصنعت له منبره هذا). انتهى. وبه يستأنس أن فلانة هي: عائشة، المذكورة. ولا سيما قال قائله: الأنصارية، ولا يستعبد هذا، وإن كان إسناد الحديث ضعيفا فحينئذ إن المصحف من قال: علاثة، لا من قال: عائشة الأنصارية. وقد جاء في الرواية في الصحيح: (أرسل، أي: النبي، إلى فلانة سماها سهل مري غلامك النجار أن يعمل لي أعوادا أجلس عليهن إذا كلمت الناس، فأمرته، فعملها من طرفاء الغابة، ثم جاء بها، فأرسلت
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 ... » »»