المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم من الظلم أن نعامل نهج البلاغة على أنه كتاب أعد فقط لمن ينشد مثلا أعلى في البلاغة والأدب. فقراءة عابرة لمقدمة الشريف الرضي - رحمه الله - للنهج ترينا أن الدوافع الرئيسية لتأليفه لم تكن أدبية وبلاغية فقط، وإنما كما ورد في تعبيره «فيه حاجة العالم والمتعلم، وبغية البليغ والزاهد، ويمضي في أثنائه من الكلام في التوحيد والعدل وتنزيه الله سبحانه وتعالى عن شبه الخلق ما هو بلال كل غلة، وجلاء كل شبهة». وقوله في نفس المقدمة «وسألوني أن أبتدئ بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في جميع فنونه، ومتشعبات غصونه، من خطب، وكتب، ومواعظ، وأدب، علما أن ذلك يتضمن من عجائب البلاغة، وغرائب الفصاحة، وجواهر العربية، وثواقب الكلم الدينية والدنيوية، ما لا يوجد مجتمعا في كلام، ولا مجموع الأطراف في كتاب».
وحقا ما قاله الشريف الرضي، فنهج البلاغة - على محدودية نصوصه -، له في معظم المواضيع كلام وتصريح، وفي أغلب المسائل تفصيل وتوضيح.
ومن المسلم به عند الجميع، أن الإمام عليه السلام لم يكن هدفه الأول والأساس تقديم نماذج أدبية وبلاغية لرواد الأدب والبلاغة وإنما كان يرسل كلامه إرسالا، ولكن بصفته الإنسان المتكامل عند رسول الله (ص)، فقد جاء كلامه متكاملا كسائر أفعاله صلوات الله وسلامه عليه.
فلما ذا إذن سمي الكتاب بنهج البلاغة وللجواب على هذا السؤال نقول: من نظرة سريعة لعصر الشريف الرضي - رحمه الله - يتبين لنا أن الطابع العام الذي كان يطغى على ذلك العصر، هو الاهتمام بالعلوم العربية وآدابها وفنونها بشكل لا يضاهيه الاهتمام بالعلوم والفنون الأخرى، ولا تضاهيه عصور