الغدير - الشيخ الأميني - ج ٨ - الصفحة ٣٠٣
ثم قال: أما ما وجدت علي فيه من كلام أبي ذر ووداعه فوالله ما أردت مساءتك ولا الخلاف عليك ولكن أردت به قضاء حقه، وأما مروان فإنه اعترض يريد ردي عن قضاء حق الله عز وجل فرددته، رد مثلي مثله، وأما ما كان مني إليك فإنك أغضبتني فأخرج الغضب مني ما لم أرده.
فتكلم عثمان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما ما كان منك إلي فقد وهبته لك، وأما ما كان منك إلى مروان فقد عفى الله عنك، وأما ما حلفت عليه فأنت البر الصادق، فادن يدك. فأخذ يده فضمها إلى صدره، فلما نهض قالت قريش وبنو أمية لمروان:
أأنت رجل جبهك علي وضرب راحلتك؟ وقد تفانت وائل في ضرع ناقة، وذبيان و عبس في لطمة فرس، والأوس والخزرج في نسعة (1) أفتحمل لعلي عليه السلام ما أتاه إليك؟
فقال مروان: والله لو أردت ذلك لما قدرت عليه.
فقال ابن أبي الحديد: واعلم أن الذي عليه أكثر أرباب السيرة وعلماء الأخبار والنقل: إن عثمان نفى أبا ذر أولا إلى الشام ثم استقدمه إلى المدينة لما شكى منه معاوية، ثم نفاه من المدينة إلى الربذة لما عمل بالمدينة نظير ما كان يعمل بالشام، أصل هذه الواقعة: إن عثمان لما أعطى مروان بن الحكم وغيره بيوت الأموال واختص زيد بن ثابت بشئ منها جعل أبو ذر يقول بين الناس وفي الطرقات والشوارع: بشر الكانزين (2) بعذاب أليم، ويرفع بذلك صوته ويتلو قوله تعالى: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم. فرفع ذلك إلى عثمان مرارا وهو ساكت ثم إنه أرسل إليه مولى من مواليه أن انته عما بلغني عنك فقال أبو ذر: أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله تعالى، وعيب من ترك أمر الله تعالى؟ فوالله لأن أرضي الله بسخط عثمان أحب إلي وخير لي من أن أسخط الله برضا عثمان، فأغضب عثمان ذلك واحفظ فتصابر وتماسك إلى أن قال عثمان يوما والناس حوله: أيجوز للإمام أن يأخذ من المال شيئا قرضا فإذا أيسر قضى؟ فقال كعب الأحبار: لا بأس بذلك. فقال أبو ذر: يا ابن اليهوديين أتعلمنا ديننا؟ فقال عثمان: قد كثر أذاك لي وتولعك بأصحابي، إلحق بالشام. فأخرجه إليها فكان

(1) النسعة بكسر النون: حبل عريض طويل تشد به الرحال.
(2) في النسخة: الكافرين. والصحيح ما ذكرناه كما مر عن البلاذري.
(٣٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 ... » »»