الغدير - الشيخ الأميني - ج ٨ - الصفحة ٣٧١
منه في المقام عليها.
وكأن الرجل هاهنا ذهل عما ذكره في كتابه (مسائل الجاهلية) ص 129 من قوله: إن أبا ذر رضي الله تعالى عنه قبل بلوغه المرتبة القصوى من المعرفة تساب هو وبلال الحبشي المؤذن فقال له: يا ابن السوداء. فلما شكا بلال إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال له: شتمت بلالا وعيرته بسواد أمه؟ قال: نعم. قال: حسبت إنه بقي فيك شئ من كبر الجاهلية. فألقى أبو ذر خده على التراب ثم قال: لا أرفع خدي حتى يطأ بلال خدي بقدمه. ا ه‍.
وهكذا رواه البرماوي، وذكره القسطلاني في إرشاد الساري 1: 113 وقال:
زاد ابن الملقن: فوطئ خده.
هذا أبو ذر وهذا أدبه وكرم أخلاقه، وإنه لعلى خلق عظيم.
5 ما ادعاه من كثرة المتعرضين على أبي ذر. الخ. ليته سمى واحدا من أولئك المتعرضين، أو سمى مصدرا ولو من أتفه المصادر يصافقه على هذه الدعوى، وإنما كانت الصحابة يومئذ بين مصافق لأبي ذر على هتافه، ومسل له على نكبته، ومستاء على ما أصابه من الأذى، وناقم على من فعل به ذلك، فلم يكن عندئذ من يرد عليه قوله، ويحفظ آية المواريث وأبو ذر ناسيها وهو وعاء ملئ علما بشهادة من أعلم الأمة باب مدينة علم النبي صلى الله عليهما وآلهما.
كان من العزيز على صلحاء الصحابة المنابأة بالفادح الجلل تسيير أبي ذر إلى الربذة لكرههم ذلك ونبوء سمعهم عنه، وكان الصحابي الصالح يسترجع مرارا لما قرع سمعه ذلك النبأ المزري، وكان يقول: ارتقبهم واصطبر، اللهم إن كذبوا أبا ذر فإني لا أكذبه، اللهم وإن اتهموه فإني لا أتهمه، اللهم وإن استغشوه فإني لا استغشه، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأتمنه حين لا يأتمن أحدا، ويسر إليه حين لا يسر إلى أحد (1) ولعل الآلوسي يريد بمن ذكرهم من المتعرضين طغمة آل أمية المتخذين مال الله دولا، وعباده خولا، ودينه دخلا، وكتابه دغلا، غير أنهم ما كانوا يجادلون بالقرآن وما كانوا يعرفون منه إلا ظاهرا من قوله تعالى: ولا تنس نصيبك من الدنيا.

(1) راجع من هذا الجزء صفحة 315.
(٣٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 366 367 368 369 370 371 372 373 374 375 376 ... » »»