فمما سمعت من حديثه الذي حدث الناس به أنه قال: خرجت من بلدي أنا وأبي وعمي نريد الوفود على رسول الله صلى الله عليه وآله، وكنا مشاة في قافلة، فانقطعنا عن الناس، واشتد بنا العطش وعدمنا الماء، وزاد بأبي وعمي الضعف فأقعدتهما إلى جانب شجرة ومضيت ألتمس لهما ماء فوجدت عينا حسنة وفيها ماء صاف في غاية البرد والطيبة، فشربت حتى ارتويت، ثم نهضت لآتي بأبي وعمي إلى العين فوجدت أحدهما قد مات فتركته بحاله، وأخذت الآخر ومضيت في طلب العين، فاجتهدت إلى أن أراها فلم أرها ولا عرفت موضعها، وزاد العطش به حتى مات، فحرصت في أمره حتى واريته، وعدت إلى الآخر فواريته أيضا. وسرت وحدي إلى أن انتهيت إلى الطريق ولحقت بالناس ودخلت المدينة، وكان دخولي إليها في اليوم الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، فرأيت الناس منصرفين من دفنه فكانت أعظم الحسرات دخلت بقلبي، ووافى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فحدثته حديثي فأخذني وأقمت معه مدة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، وفي أيام خلافته حتى قتله عبد الرحمان بن ملجم بالكوفة.
قال: ولما حوصر عثمان بن عفان في داره، دعاني ودفع إلي كتابا ونجيبا وأمرني بالخروج إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وكان علي عليه السلام غائبا ب " ينبع " في ضياعه وأمواله، فأخذت الكتاب وركبت النجيب وسرت حتى إذا كنت بموضع يقال له: جنان أبي عباية، سمعت قرآنا فإذا أمير المؤمنين [عليه السلام] يقرأ: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) [115 / المؤمنون: 23] قال: فلما نظر إلي قال: يا أبا الدنيا ما وراءك؟
قلت: هذا كتاب عثمان فقرأه فإذا فيه:
فإن كنت مأكولا فكن خير آكل * وإلا فأدركني ولما أمزق فلما قرأه قال: سرسر. فدخلنا المدينة ساعة قتل عثمان، فمال أمير المؤمنين عليه السلام إلى حديقة بني النجار، وعلم الناس بمكانه فجاؤوا إليه