وقال آخر: لا تكلموه إن كان رسولا من الله كما يزعم، هو أعظم قدرا أن يكلمنا، وإن كان كاذبا على الله فهو أسرف بكلامه.
وجعلوا يستهزءون به، فجعل يمشى كلما وضع قدما وضعوا له صخرة، فما فرغ من أرضهم إلا وقدماه تشخب دما، فعمد لحائط من كرومهم، وجلس مكروبا، فقال: اللهم إني أشكو إليك غربتي وكربتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، أنت رب المكروبين، اللهم إن لم يكن لك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي، أعوذ بك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي الثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، لك الحمد حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قيل: وكان في الكرم عتبة بن ربيعة، وشيبة، فكره أن يأتيهما، لما يعلم من عداوتهما.
فقالا لغلام لهما يقال: عداس: خذ قطفين (1) من العنب، وقدحا من الماء، واذهب بهما إلى ذلك الرجل، وإنه سيسئلك أهدية أم صدقة، فإن قلت: صدقة لم يقبلها، بل قل له: هدية.
فمضى ووضعه بين يديه، فقال: هدية أم صدقة؟ فقال: هدية، فمد يده وقال: بسم الله، وكان عداس نصرانيا، فلما سمعه عجب منه، وصار ينظره، فقال له: يا عداس من أين؟ قال: من أهل نينوى، قال: من مدينة الرجل الصالح أخي يونس بن متى، قال: ومن أعلمك؟ فأخبره بقصته، وبما أوحي إليه، فقال: ومن قبله؟ فقال: نوح، ولوط، وحكاه بالقصة، فخر ساجدا لله، وجعل يقبل قدميه، هذا وسيداه ينظران إليه.
فقال أحدهما للآخر: سحر غلامك، فلما أتاهما قالا له: ما شأنك سجدت وقبلت يديه؟ فقال: يا أسيادي ما على وجه الأرض أشرف ولا ألطف ولا أخير منه، قالوا: ولم ذلك؟ قال: حدثني بأنبياء ماضية، ونبينا يونس بن