رسالة حول خبر مارية - الشيخ المفيد - الصفحة ٧
في الحق، لا تخفى لمن وقف عليها من ذوي الإنصاف، وهي:
الأول: أن الأوامر الصادرة من العقلاء، إطلاقا وتقييدا، وإجمالا وبيانا، تتبع معرفة المأمورين ومدى ذكائهم، ومقدار عقلهم وإدراكهم، فإن كان المأمور متوسطا في الذكاء والعقل والمعرفة احتاج إلى تأكيد وزيادة بيان، وإن كان المأمور دون ذلك في المعرفة والعقل والذكاء احتاج إلى الشرح والتفصيل والتوضيح والإعادة والتكرار، وإن كان فائق الذكاء والمعرفة والعقل لم يحتج إلى شئ من التأكيد ولا البيان، ويكتفى معه بالإجمال والإطلاق.
وكذلك، بحسب الثقة بالمأمور في طاعته، والسكون إلى سداده وضبطه، يختلف أخذ الموقف منه بالتأكيد وعدمه.
قال الشيخ المفيد: وهذا بين، متفق عليه أهل النظر كافة، وجمهور العقلاء، فلا حاجة بنا إلى تكلف دليل عليه.
وحاصله: أن معرفة الراوي ومداها، لها الأثر الواضح في تشكل النص الذي يلقيه الإمام إليه للدلالة على قضية أو حكم.
ولذلك يكون الوقوف على مبلغ علم الراوي ومعرفته الفكرية والفقهية لها الأثر في تبلور النصوص التي يرويها عن الإمام عليه السلام، وخاصة في وضوحه وبيانه، أو إجماله، وكذلك في الخصوص والعموم، وما إلى ذلك.
وعلى هذا، فبما أن النبي صلى الله عليه وآله كان بصدد دفع التهمة عن زوجته، لتنزيه العائلة المنتسبة إليه، وإنما استهدف القبطي لمجرد كونه محلا لتهمة أولئك الأشرار، لا أن القبطي كان (مطلقا) مهدور الدم؟
فلذلك أطلق النبي صلى الله عليه وآله الأمر، وأوكل تقييده إلى علي عليه السلام، ولو كان غير علي عليه السلام مأمورا بذلك لفصل له النبي صلى
(٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 3 4 5 6 7 8 9 10 11 16 ... » »»