الحق، فالله الله في الغلام لا تقتله قريش واليهود، فاكتم علي ما قلت لك، وأنا أشهد أنه محمد رسول الله، وأنه الغلام الهاشمي القرشي الأبطحي، وانه عندنا مكتوب اسمه واسم أبيه من قبل، وإن أنكر من أنكر واعلم أنك تلقى رجلا من إخواني ممن هو على ديني وقد قرأ مثل ما قرأت من هذه الكتب بأرض تهامة، وسيقول لك بهذا الغلام ما قلته لك.
وكان صاحب بحيرا ورقا بن نوفل، وكانا جميعا ممن استحفظ الإنجيل واخبار محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وكانا اعلم أهل زمانهما، فرجع فرحا بما سمع من بحيرا الراهب، حتى إذا دخل أرض تهامة استقبله ورقا بن نوفل الراهب وهو من المستحفظين الذين استودعوا علم الإنجيل والزبور، فقال ورقا بن نوفل مثل ما قاله بحيرا، وقال: اكتم علي يا شيخ ما قلته في هذا الغلام، قال: وانتشر خبر النبي (صلى الله عليه وآله) بأرض تهامة وكلام ورقا، فأقبلت قريش إلى ورقا بن نوفل. فقالوا: ما هذا الذي انتشر عنك فيما قلت من هذا الغلام؟ والله لئن نطقت فيما نطقت به من أمره لنقتلنك بأعظم قتلة، فاعلم ذلك فخاف ورقا على نفسه فخرج من أرض تهامة، وقد اظهر من امر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أظهر وأشهد على نفسه أنه يشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله، وانه نبي ورسول، وقصد إلى الشام هاربا من قريش لأنه خالفهم على نفسه، فما لبث النبي بعد ما قاله ورقا وبحيرا إلا يسيرا حتى أظهر الله دعوته وطلبوا ورقا بن نوفل فلم يقدروا عليه، وحفظه أبو طالب من قريش، واستوهب النبي (صلى الله عليه وآله) عليا بن أبي طالب من أبيه فوهبه له فدعاه إلى الاسلام، والى دين الله فاجابه يومئذ وهو ابن سبع سنين، فكان أول من أسلم علي بن أبي طالب (عليه السلام) فمكث على ذلك سنتين، وكان أبو طالب يقول لعلي: أطع ابن عمك واسمع قوله، فإنه لا يألوك خيرا فكانا يصليان جميعا ويكتمان ما هما فيه حتى اظهر الله امر دينه فكان هذا من دلائله (عليه السلام).