في (من / خ) الذاكرين، وإن كان في الذاكرين لم يكتب من الغافلين، يعفو عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه، لا يعزب حلمه، ولا يعجل فيما يريبه، و يصفح عما قد تبين له، بعيدا فحشه، لينا قوله، غائبا شكوه 1، حاضرا معروفه، صادقا قوله، حسنا فعله، مقبلا خيره، مدبرا شره، فهو في الزلازل وقور، وفي المكاره صبور، وفي الرخاء شكور، لا يحيف على من يبغض، ولا يأثم فيمن يحب، ولا يدعي ما ليس له، ولا يجحد حقا هو عليه، يعترف بالحق قبل أن يشهد به عليه، لا يضيع ما استحفظ، ولا ينسى ما ذكر، ولا يتنابز 2 بالألقاب، ولا يبغي على أحد، ولايهم 3 بالحسد، ولا يضار بالجار، ولا يشمت بالمصاب، مؤد للأمانات، سريع إلى الصلوات، بطئ عن المنكرات، يأمر بالمعروف، وينهي عن المنكر، لا يدخل في الأمور بجهل، ولا يخرج من الحق بعجز.
إن صمت لم يغمه 4 الصمت، وإن نطق لم يقل خطأ، وإن ضحك لم يعل صوته، قانع بالذي قدر له، لا يجمع 5 به الغيظ، ولا يغلبه الهوى، ولا يقهره الشح، ولا يطمع فيما ليس له، يخالط الناس ليعلم، ويصمت ليسلم، ويسأل ليفهم، ويتجر ليغنم، لا ينتصب للخير ليفجر به، ولا يتكلم به ليتجبر على من سواه، نفسه منه في عناء والناس منه في راحة، أتعب نفسه لآخرته، وأراح الناس من نفسه.
إن بغي 6 عليه صبر حتى يكون الله هو المنتقم له، بعده عمن يتباعد منه زهد و نزاهة، ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة، ليس تباعده بكبر ولا عظمة، ولا دنوه بمكر ولا خديعة.
قال: فصعق همام صعقة كانت نفسه فيها، فقال أمير المؤمنين: أما والله لقد كنت أخافه عليه، ثم قال: هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها 7.