[الروم: 30]، وقد حرص الإسلام على الحفاظ على فطرة الإنسان سوية من خلال المحافظة على المقاصد الكلية الخمسة: الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وصونها من كل تغيير يفسدها، سواء من حيث السبب أم النتيجة، يدل على ذلك الحديث القدسي الذي أورده القرطبي من رواية القاضي إسماعيل: ((إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإن الشياطين أتتهم فاجتالتهم عن دينهم.. - إلى قوله: - وأمرتهم أن يغيروا خلقي)) [تفسير القرطبي 5 / 389].
وقد علم الله الإنسان ما لم يكن يعلم، وأمره بالبحث والنظر والتفكر والتدبر مخاطبا إياه في آيات عديدة: {أفلا يرون}، {أفلا ينظرون}، {أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة}، {إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}، {إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون}، {إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب} {اقرأ باسم ربك الذي خلق}.
والإسلام لا يضح حجرا ولا قيدا على حرية البحث العلمي، إذ هو من باب استكناه سنة الله في خلقه، ولكن الإسلام يقضي كذلك بأن لا يترك الباب مفتوحا بدون ضوابط أمام دخول تطبيقات نتائج البحث العلمي إلى الساحة العامة بغير أن تمر على مصفاة الشريعة، لتمرر المباح وتحجز الحرام، فلا يسمح بتنفيذ شيء لمجرد أنه قابل للتنفيذ، بل لابد أن يكون علما نافعا جالبا لمصالح العباد ودارئا لمفاسدهم. ولابد أن يحافظ هذا العلم على كرامة الإنسان ومكانته والغاية التي خلقه الله من أجلها، فلا يتخذ حقلا للتجريب، ولا يعتدي على ذاتية الفرد وخصوصيته وتميزه، ولا يؤدي إلى خلخة الهيكل الاجتماعي المستقر أو يعصف بأسس القرابات والأنساب وصلات الأرحام والهياكل الأسرية المتعارف عليها على مدى التاريخ الإنساني في ظلال شرع الله وعلى أساس وطيد من أحكامه.