المخدوعين لو طلب منهم طالب أن ينذر بذلك الذي نذر به لقبر ميت على ما هو طاعة من الطاعات وقربة من القربات لم يفعل، ولا كاد.
فانظر إلى أين بلغ تلاعب الشيطان بهؤلاء؟ وكيف رمى بهم هوة بعيدة القعر، مظلمة الجوانب؟ فهذه مفسدة من مفاسد، القبور وتشييدها، وزخرفتها وتجصيصها.
ومن المفاسد البالغة إلى حد يرمى بصاحبه إلى وراء حائط الإسلام، ويلقيه على أم رأسه من أعلى مكان الدين: أن كثيرا منهم يأتي بأحسن ما يملكه منن الأنعام وأجود ما يحوزه من المواشي فينحره عند ذلك القبر، متقربا به إليه، راجيا ما يضمر حصوله له منه.
فيهل به لغير الله، ويتعبد به لوثن من الأوثان إذ أنه لا فرق بين نحر النحائر لأحجار منصوبة يسمونها وثنا، وبين قبر لميت يسمونه قبرا. ومجرد الاختلاف في التسمية لا يغني من الحق شيئا، ولا يؤثر تحليلا ولا تحريما فإن من أطلق على الخمر غير اسمها وشربها، كان حكمه حكم من شربها وهو يسميها باسمها، بلا خلاف بين المسلمين أجمعين.
ولا شك أن النحر نوع من أنواع العبادة التي تعبد الله العباد بها، كالهدايا والفدية والضحايا، فالمتقرب بها إلى القبر والناحر لها عنده لم يكن له غرض بذلك إلا تعظيمه وكرامته، واستجلاب الخير منه واستدفاع الشر به. وهذه عبادة لاشك فيها. وكفاك من شر سماعه. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (إنا لله وإنا إليه راجعون) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا عقر في الإسلام " قال عبد الرزاق: (كانوا يعقرون عند القبر، يعني بقرا وشياها " وبعد هذا كله فاعلم أن ما سقناه من الدلالة وما هو كالتوطيد لها وما هو كالخاتمة