يذكر الاستحسان هنا إنما ذكره بعد هذا على ما بينه وان أقام أحدهما البينة انه الأول أو ثبتت بينة كل واحد منهما فهو رهن لأولهما وقتا لأنه أثبت حقه بعقد تام في وقت لا ينازعه فيه صاحبه وبثبوت حقه في ذلك الوقت يمنع ثبوت حق الثاني بعده ما لم يسقط حق الأول بانفكاك وإن كان في يد أحدهما فهو أولى به لان تمكنه من القبض دليل سبق عقده ولان الآخر يحتاج إلى اثبات استحقاق اليد عليه وليس في بينته ما يوجب ذلك لجواز أن يكون عقد ذي اليد سابقا وذو اليد لا يحتاج إلى اثبات استحقاق اليد على صاحبه لان ذلك ثابت له بظاهر يده فكان ذو اليد أولى إلا أن يقيم الآخر بينة أنه الأول فحينئذ شهوده صرحوا بسبق تاريخ عقده وبما يوجب استحقاق اليد له على يد ذي اليد والتاريخ المنصوص عليه يترجح على التاريخ المدلول عليه فإن كانت يدهما جميعا فان علم الأول منهما فهو له وإن لم تعلم الأولى لم يكن رهنا لواحد منهما في القياس وبه يأخذ وفى الاستحسان لكل واحد منهما نصفه رهنا بنصف حقه لان التعارض لما وقع بين البينتين والعمل بهما ممكن وجب العمل بهما بحسب الامكان (ألا ترى) أن في البيع عند التعارض يعمل بالبيعين جميعا بحسب الامكان ويجعل كأنه باع منهما جميعا فكذلك في الرهن يجعل كأنه رهن منهما جميعا ورهن العين من رجلين صحيح على أن يكون مضمونا بدين كل واحد منهما ووجه القياس ان عند التعارض والتساوي إنما يقضى لكل واحد منهما بالنصف كما في البيع وذلك غير ممكن هنا لأجل الشيوع وقد بينا أن العين في حكم الرهن بمنزلة المرأة في حكم النكاح لا يحتمل التجزء وعند استواء البينتين في دعوى النكاح على امرأة واحدة لا يقضى بشئ فهذا مثله وإنما أخذنا بالقياس هنا لان وجه الاستحسان أضعف ووجه القياس أقوى فان هذا ليس في معنى الرهن من رجلين لان هناك كل واحد منهما ثبت حقه في جميع الرهن حتى إذا قبض جميع دين أحدهما لا يسترد شيئا من الرهن ما لم يقبض دين الآخر لوجود الرضا من كل واحد منهما بثبوت حق صاحبه في الحبس معه وهنا لا يمكن القضاء بذلك لان كل واحد منهما غير راهن بحق صاحبه ولان هناك العقد في جانب الراهن واحد وهنا كل واحد منهما يثبت ببينته عقدا آخر والرهن من رجلين بعقدين مختلفين أو بينتين متفرقتين لا يجوز كما لو قال رهنت هذه العين منكما بألف نصفه منك بخمسمائة ونصفه منك بخمسمائة فقد ذكر الاستحسان فيما إذا كان الرهن في أيديهما ولم يذكر فيما إذا كانت العين في يد الراهن والأصح
(١٢٧)