في ذلك إلى العرف والعادة الظاهرة أن الانسان يهدى إلى من فوقه ليصونه بجاهه والى من دونه ليخدمه والي من يساويه ليعوضه واليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله لوفد ثقيف لما أتوه بشئ أصدقة أم هبة فالصدقة يبتغي بها وجه الله تعالى والهبة يبتغي فيها وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وقضاء الحاجة ومنه يقال للأيادي قروض وقال القائل وإذا جوزيت قرضا فاجزه * إنما يجزى الفتى ليس الحمل وبهذا يتبين أن حق الرجوع أليس بمقتضى العقد عندنا بل لتمكن الخلل في المقصود بالعقد علي معنى أن المعروف كالمشروط ولا يقال إنما يقصد العوض بالتجارات فأما المقصود بالهبة إظهار الجود والسخاء والتودد والتحبب وقد حصل ذلك وهذا لان العوض في التجارات مشروط وفى التبرعات مقصود ومعنى إظهار الجود أيضا مقصود فإنما يمكن الخلل في بعض المقصود وذلك يكفي للفسخ مع أن إظهار الجود مقصود كريم الخلق ولهذا يقول الراجع في الهبة لا يكون كريم الخلق فاما مقصود طيبة النفس العوض ومعنى التودد إنما يحصل بالعوض كما قال عليه الصلاة والسلام تهادوا تحابوا فان التفاعل يقتضى وجود الفعل من الجانبين كالمفاعلة فأما الحديث فالمراد به أن لا ينفرد بالرجوع من غير قضاء ولا رضا الا الوالد إذا احتاج إلي ذلك فينفرد بالأخذ لحاجته وسمى ذلك رجوعا باعتبار الظاهر وإن لم يكن رجوعا في الحكم كما روى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حمل على فرس سبيل الله ثم رأى ذلك الفرس يباع فأراد أن يشتريه فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال لا تعد في صدقتك والشراء لا يكون رجوعا في الصدقة حكما والمراد لا يحل الرجوع بطريق الديانة والمروءة وهو كقوله عليه الصلاة والسلام لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر ان يبيت شبعان وجاره إلى جنبه طاو اي لا يليق ذلك بالديانة والمروءة وإن كان جائزا في الحكم إذا لم يكن عليه حق واجب. والمراد بالحديث الآخر التنبيه في معنى الاستقباح والاستقذار ألا ترى أنه شبه بعود الكلب في قيئه وفعل الكلب يوصف بالقبح لا بالحرمة وبه نقول وانه يستقبح. وقد بينا الفرق بين هذا وبين الأخوين والزوجين لحصول ما هو المقصود هناك وتمكن الخلل فيما هو المقصود هنا ولهذا يحتاج إلى القضاء أو الرضا في الرجوع لأنه بمنزلة الرد بالعيب بعد القبض من حيث إن السبب تمكن الخلل في المقصود فلا يتم الا بقضاء أو رضا والله سبحانه وتعالى أعلم (والفصل الثاني) إذا وهب الوالد لولده فليس له أن يرجع فيه
(٥٤)