فردوس الحكمة في الطب - إبن سهل الطبري - الصفحة ٢٢
مسيرها " الشتوي " (1) المنحط عن المعمور من الأرض لكان الدهر كله شتاء، ولو دام الشتاء والجمود لما ينبت النبات ولا أثمر الشجر وإذا بطل الحب والثمر والشجر بطل الحيوان أيضا، ومن الشواهد على صحة ما ظننت من ذلك وعلى ان النيرات تؤثر في الأشياء الأرضية ما نرى من فعل القمر، فإنه لا ينضج الأثمار الا بطلوعه عليها، ولا ينبت النبات في موضع لا يطلع عليه الشمس والقمر، وان نبت شئ كان ضعيفا غير مثمر، وإذا اخذ القمر في الزيادة زادت المخاخ والأدمغة والبيض، وإذا اخذ القمر في النقصان وجدت ذلك كله ناقصا، وبمجاري القمر وأرباع الشهر تعرف بحرانات الأمراض الحادة، وعند الأهلة يتحرك الصرع فيمن يصرع فاما بحرانات الأمراض الحادة المزمنة فإنها تعرف بمجارى الشمس وأرباع السنة وبالقمر، ويكون الجزر والمد أيضا في البحر بالقمر على ما انا واصفه فيما بعد أن شا الله، ويقول اهل طبرستان ان في الليلة التي يهل الهلال ينقلب الشراب في خوائبه ويصير أسفله أعلاه، فيجدونه في أول الشهر كدرا كأنه الدردي، وخوائبهم كلها مدفونة في الأرض، فهم يحولون لذلك الشراب عن تلك الخوائب قبل أن يهل الهلال، ويخرجون منها الدردي، ثم يعيدون فيها الشراب، وأشهر من ذلك فعل الليل والنهار، فان الليل إذا جاء ببرده ورطوبته ابتدرت الحيوانات كلها إلى مواطنها، وهربت من مسارحها ومراعيها، ورمت بأنفسها للاضطجاع والنوم، وإذا قرب طلوع الشمس تحركت للانبعاث والطواف، وذلك بحرارة الشمس التي تنطلق بها الأنفس والأبدان، فصار فعل النهار بالحيوان أشبه شئ بالحياة، وصار فعل الليل أشبه شئ بالموت، وانما النهار طلوع الشمس على اهل المعمورة، والليل غروبها عنهم، فهذا فعل

(1) " المستوي "
(٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 ... » »»