نقض رسالة الحبل الوثيق - السيد حسن آل المجدد الشيرازي - الصفحة ١٩
ثم إن متن هذا الخبر ظاهر النكارة، إذ قد ذكر أصحاب التواريخ أنه لم يكن لأبي بكر ثروة سالفة ولا رئاسة متقدمة، ولا لأبيه ولا جده، وكان في الجاهلية يعلم الناس ويأخذ الأجرة على تعليمه، ثم صار في الإسلام خياطا، وليس هذا صنيع الموسرين، وكان أبوه شديد الفقر والمسكنة، حتى أنه كان يؤجر نفسه للناس في أمور خسيسة! فكان ينادي على مائدة عبد الله بن جدعان ويطرد عنها الذبان (53) بأجر طفيف، وفي ذلك يقول أمية ابن أبي الصلت في مرثية ابن جدعان:
له داع بمكة مشمعل * وأخر فوق دارته ينادي إلى ردح من الشيزى ملاء * لباب البر يلبك بالشهاد (54) فمن أين انتقل الغنى إلى أبي بكر؟! ومن أين اجتمع له ذلك المال؟!
ولو كان غنيا لكفى أباه آكل الذبان! (55) وحسبك في معرفة ضيق عيش أبي بكر وصاحبه ما أخرجه مسلم في صحيحه (56) عن أبي هريرة، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر، فقال:
ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قالا:

(٥٣) شرح نهج البلاغة ١٣ / 275.
(54) تاج العروس من جواهر القاموس 5 / 296.
(55) كأن أبا قحافة كان مشهورا بذلك، فقد أخرج الدولابي في الكنى والأسماء 1 / 202 أن أبا طالب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أطعمني من عنب جنتك؟ وأبو بكر جالس عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال أبو بكر: حرمها الله الكافرين، فقال أبو طالب: فلأبي قحافة آكل الذبان تدخرها؟! انتهى.
وقال السيد الحميري رحمه الله:
أترى صهاكا وابنها وابن ابنها * وأبا قحافة آكل الذبان كانوا يرون، وفي الأمور عجائب * يأتي بهن تصرف الأزمان أن الخلافة في ذؤابة هاشم * فيهم تصير وهيبة السلطان (56) صحيح مسلم - كتاب الأشربة - باب جواز استتباعه غيره... إلى آخره.
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»