من الشؤون، ولا منصب من المناصب وذلك أمر بديهي لا يحتاج إلى تجشم الاستدلال.
المقدمة الثالثة: - إنك بعد ما عرفت إن وجوب نصب الإمام عند المخالفين هو على الأمة لا على الله تعالى ورسوله، وإن مسألة الإمامة من فروع الدين لا من أصوله، على خلاف ما تدعيه الفرقة المحقة، ومر عليك في المقدمة الأولى إن النزاع في مسألة الإمامة راجع إلى النفي والإثبات، وينبغي إن تحيط خبرا بأن كل دليل تركن إليه الإمامية في تنوير دعواهم، وإثبات مدعاهم من آية أو نص ينافي طبعا ما تعلق به أهل الخلاف من ذلك بتعيين المخلوقين من الأمة، فحينئذ ثبوت أدلة الفرقة المحقة قاض بفساد خلافة الخلفاء، وبطلان تصرفهم في الأمور الراجعة إلى منصب الإمامة، ولا يحتاج بعد إلى نصب دليل على فساد خلافة الخلفاء، ولا إلى التفكر في أدلتهم نقضا وإبراما، بل أدلة الشيعة حاكمة على تلك الأدلة ومزيلة لها، إذ الأدلة التي تعلقوا بها على إثبات خلافة الخلفاء لا تخلو عن وجهين: لأنها إما أن تقتضي بعدم تعيين إمام بالنص من النبي، وإما أن تكون ساكتة عن تعيين الإمام.
والوجه الأول على ضربين: - - (الأول) إن ما دل منها على عدم التعيين يعارض الدليل الدال عليه ويقاومه، ومعنى المعارضة هو إن اجتماع الدليلين يستحيل واقعا، ويلزم أن يكون أحدهما حقا والأخر باطلا عقلا.
(الثاني) ما يتوقف دلالته على عدم تعيين الإمام على عدم دليل يقضى بتعينه، فمتى دل دليل على التعيين يسقط دلالته على حقية خلافة الخلفاء ولا تتم.