عجائب الآثار - الجبرتي - ج ٣ - الصفحة ٥٠٠
فيه من الحقائق حتى صار نادرة عصره في المحاضرات والمحاورات واستحضار المناسبات والماجريات وقال الشعر الرائق ونثر النثر الفائق وصحب بسبب ما احتوى عليه من دماثة الاخلاق ولطف السرايا وكرم الشمائل وخفة الروح كثيرا من رباب المظاهر والرؤساء من الكتاب والامراء والتجار ولم يزل المترجم على حالته ورقته ولطافته مع ما كان عليه من كرم النفس والعفة والنزاهة والتولع بمعالي الأمور والتكسب وكثرة الانفاق وسكنى الدور الواسعة والحزم وكان له صاحب يسمى احمد العطار بباب الفتوح توفي وتزوج هو بزوجته وهي نصف واقام معها نحو ثلاثين سنة ولها ولد صغير من المتوفي فتبناه ورباه ورفهه بالملابس واشفق به اضعاف والد بولده بلغ عمل له مهما وزوجته ودعا الناس إلى ولائمه وانفق عليه في ذلك انفاقا كثيرة وبعد نحو سنة تمرض ذلك الغلام اشهرا فصرف عليه وعلى معالجته جملة من المال ومات فجزع عليه جزعا شديدا ويبكي وينتحب وعمل له مأتما وعزاء واختارت أمه دفنه بجامع الكردي بالحسينية ورتبت وقراء واتخذت مسكنا ملاصقا لقبره أقامت به نحو الثلاثين سنة مع دوام عمل الشريك والكعك بالعجمية والسكر وطبخ الأطعمة للمقرئين والزائرين ثم ملازمة الميت واتخاذ ما ذكر في كل جمعة على الدوام والمترجم طوع يدها في كل ماطلبته وما كلفته به تسخيرا من الله تعالى وكل ما وصل إلى يده من حرام أو حلال فهو مستهلك عليها وعلى أقاربها وخدمها لا لذة له في ذلك حسية ولا معنوية لأنها في ذاتها عجوز شوهاء وهو في نفسه نحيف البنية ضعيف الحركة جدا بل معدومها وابتلى بحصر البول وسلسه القليل مع الحرقة والتألم استدام بها مدة طويلة حتى لزم الفراش أياما وتوفي يوم السبت ثاني شهر الحجة الحرام بمنزله الذي استأجره بدرب قرمز بين القصرين وصلينا عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن عند ابنه المذكور بالحسينية وكثيرا ما كنت أتذكر قول القائل ومن
(٥٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 495 496 497 498 499 500 501 502 503 504 505 ... » »»