المحتسب احتفالا زائدا وعمل وليمة عظيمة في بيته أربعة أيام أولها السبت وآخرها الثلاثاء دعا في أول يوم العلماء والفقهاء والمشايخ والوجاقلية وغيرهم وفي ثاني التجار والأعيان وكذلك ثالث يوم ورابع يوم دعا أيضا أكابر الفرنساوية وأصاغرهم وركب يوم الثلاثاء بالابهة الكاملة زيادة عن العادة وامامه مشايخ الحرف بطبولهم وزمورهم وشق القاهرة على الرسم المعتاد ومر على قائمقام وأمير الحاج وسارى عسكر بونابارته ثم رجع بعد الغروب إلى بيت القاضي بين القصرين فانبتوا هلال رمضان ليلة الأربعاء ثم ركب من هناك بالموكب وامامه المشاغل الكثيرة والطبول والزمور والنقاقير والمناداة بالصوم وخلفه عدة خيالة عارية رؤسهم وشعورهم مرخية على أقفيتهم بشكل بشيع مهو ل وانقضى شهر شعبان وحوادثه فمنها ان أهل مصر جروا على عادتهم في بدعهم التي كانوا عليها وانكمشوا عن بعضها واحتشموها خوفا من الفرنسيس فلما تدرجوا فيها وأطلق لهم الفرنساوية القيد ورخصوا لهم وسايروهم رجعوا إليها وانهمكوا في عمل مواليد الأضرحة التي يرون فرضيتها وانها قربة تنجيهم بزعمهم من المهالك وتقربهم إلى الله زلفى في المسالك فرمحوا في غفلاتهم مع ما هم فيه من الأسر وكساد غالب البضائع وغلوها وانقطاع الاخبار ومنع الجالب ووقوف الانكليز في البحر وشدة حجزهم على الصادر والوارد حتى غلت اسعار جميع الأصناف المجلوبة من البحر الرومي وانقطع أثر كثير من رباب الصنائع التي كسدت لعدم طلابها واحتاجوا إلى التكسب بالحرف الدنيئة كبيع الفطير وقلي السمك وطبخ الأطعمة والمأكولات والاكل في الدكاكين واحداث عدة قهاوى وأما أرباب الحرف الدنيئة الكاسدة فأكثرهم عمل حمارا مكاريا حتى صارت الأزقة خصوصا جهات العسكر مزدحمة بالحمير التي تكرى للتردد في شوارع مصر فان للفرنسيس بذلك عناية عظيمة ومغالاة في الأجرة بحيث ان الكثير منهم يظل طول النهار فوق ظهر الحمار بدون حاجة سوى ان يجري
(٢٤٩)