ومنع العرب من هذا الحساب وامر بقطعه والاستمرار بوقوع الحج في أي زمان اتى من فصول السنة الشمسية فصارت سنوهم دائرة في الفصول الأربع والحج واقع في كل زمان منها كما كان في زمن إبراهيم الخليل عليه السلام ثم كون حجة الصديق واقعة في القعدة فهو قول طائفة من العلماء وقال آخرون بل وقعت حجته أيضا في ميقاتها من ذي الحجة وقد روي في السنة ما يدل على ذلك والله أعلم بالحقائق ولما كان علم التاريخ علما شريفا فيه العظة والاعتبار وبه يقيس العاقل نفسه على من مضى من أمثاله في هذه الدار وقد قص الله تعالى اخبار الأمم السالفة في أم الكتاب فقال تعالى * (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) * وجاء من أحاديث سيد المرسلين كثير من اخبار الأمم الماضين كحديثه عن بني إسرائيل وما غيروه من التوراة والإنجيل وغير ذلك من اخبار العجم والعرب مما يفضى بمتأمله إلى العجب وقد قال الشافعي رضي الله عنه من علم التاريخ زاد عقله ولم تزل الأمم الماضية من حين أوجد الله هذا النوع الانساني تعتني بتدوينه سلفا عن سلف وخلفا من بعد خلف إلى أن نبذه أهل عصرنا وأغفلوه وتركوه وأهملوه وغدوه من شغل البظالين وأساطير الأولين ولعمري انهم لمعذورون وبالاهم مشتغلون ولا يرضون لاقلامهم المتعبة في مثل هذه المنقبة فان الزمان قد انعكست أحواله وتقلصت ظلاله وانخرمت قواعده في الحساب فلا تضبط وقائعه في دفتر ولا كتاب واشغال الوقت في غير فائدة ضياع وما مضى وفات ليس له استرجاع الا ان يكون مثل الحقير منزويا في زوايا الخمول والاهمال منجمعا عما شغلوا به من الاشغال فيشغل نفسه في أوقات من خلواته ويسلي وحدته بعد سيئات الدهر وحسناته وفن التاريخ علم يندرج فيه علوم كثيرة لولاه ما ثبتت أصولها ولا تشعبت فروعها منها طبقات القراء والمفسرين والمحدثين وسير الصحابة
(٩)