عجائب الآثار - الجبرتي - ج ١ - الصفحة ٣٥٢
والعزلة والخلوة قال فبينما انا جالس في الخلوة إذا بداع يدعوني اليه فجئت اليه فوجدت بين يديه مائدة فقال أنت صائم قلت نعم فقال كل فامتثلت امره وأكلت فقال اسمع ما أقول لك ان كان مرادك صوما وصلاة وجهادا أو رياضة فليكن ذلك في بلدك واما عندنا فلا تشتغل بغيرنا ولا تقيد أوقاتك بما تروم من المجاهدة وانما يكون ذلك بحسب الاستطاعة وكل واشرب وانبسط قال فامتثلت اشارته ومكثت عنده أربعة اشهر كأنها ساعة غير اني لم أفارقه قط خلوة وجلوة ومنحه في هذه المدة الاسرار وخلع عليه خلع القبول وتوجه بتاج العرفان واشهد مشاهد الجمع الأول والثاني وفرق له فرق الفرق الثاني فحاز من التداني اسرار المثاني ثم لما انقضت المدة وأراد العود إلى القاهرة ودعه وما ودعه وسافر حتى وصل إلى غزة فبلغ خبره أمير تلك القرية وكانت الطريق مخيفة فوجه مع قافلة ببيرقين من العسكر فساروا فلقيهم في أثناء الطريق اعراب فخاوفوهم فقالوا لأهل القافلة لا تخافوا فلسنا من قطاع الطريق وان كنا منهم فلا نقدر نكلمكم وهذا معكم وأشاروا إلى الشيخ ولم يزالوا سائرين حتى انتهوا إلى مكان في أثناء الطريق بعد مجاوزة العريش بنحو يومين فقيل لهم ان طريقكم هذا غير مأمون الخطر ثم تشاوروا فقال لهم اعراب ذلك المكان نحن نسير معكم ونسلك بكم طريقا غير هذا لكن اجعلوا لنا قدرا من الدراهم نأخذه منكم إذا وصلتم إلى بلبيس فتوقف الركب أجمعه فقال الأستاذ انا ادفع لكم هذا القدر هنالك فقالوا لا سبيل إلى ذلك كيف تدفع أنت وليس لك في القفل شيء والله ما نأخذ منك شيئا الا ان ضمنت أهل القافلة فقبل ذلك فاتفق الرأي على دفع الدراهم من أرباب التجارات بضمانة الشيخ فضمنهم وساروا حتى وصلوا إلى بلبيس ثم منها إلى القاهرة فسرت به أتم سرور وأقبل عليه الناس من حينئذ أتم قبول ودانت لطاعته الرقاب واخذ العهود على العالم
(٣٥٢)
مفاتيح البحث: التجارة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 347 348 349 350 351 352 353 354 355 356 357 ... » »»