تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٤٩ - الصفحة ٩١
ينازلوه مدة طويلة، يستظهر عليهم ويستظهرون عليه، إلى أن كان الظفر للإسلام آخر شيء، وقتل خلائق من الفرنج لا يحصون، ووقع هو في أسر المسلمين. ثم استفك نفسه بدمياط وبجملة من الذهب.
قال ابن واصل: دخل إليه حسام الدين ابن أبي علي وهو مقيد بالمنصورة فحاوره طويلا حتى وقع الاتفاق على تسليم دمياط، ويطلق هو ومن معه من كبراء الفرنج.
فحكى لي حسام الدين قال: كان فطنا عاقلا قلت له: كيف خطر للملك مع ما أرى من عقله وفضله وصحة ذهنه أن يقدم على خشب، ويركب في هذا البحر، ويأتي هذه البلاد المملوءة من عساكر الإسلام، ويعتقد أنه يحصل له تملكها، وفيها فعل غاية الغرر؟! فضحك ولم يحر جوابا.
وقلت: ذهب بعض فقهائنا أن من ركب البحر مرة بعد أخرى مغررا بنفسه أنه لا تقبل شهادته، لأنه يستدل بذلك على ضعف عقله.
قال: فضحك وقال: لقد صدق هذا القائل وما قصر.
ولما أفرج عن ريذافرنس وأصحابه أقلعوا إلى عكا، وأقام بالساحل مدة، وعمر قيسارية، ثم رجع إلى بلاده، وأخذ يجمع ويحشد إلى هذا الزمان، وأراد قصد بلاد الإسلام ثانيا؛ ثم فتر عن قصد مصر، وقصد بلد إفريقية (...) إلى أنه من ملك بلاد المغرب تمكن من قصد مصر في البر والبحر، ويسهل عليه تملكها، فنازل تونس إلى أن كاد يملكها، ولكن وقع الوباء في جيشه فهلك هو وجماعة من ملوكهم، كما ذكرنا
(٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 ... » »»