تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٤٩ - الصفحة ١٣٣
وكان إذا تصرف له وكيله ناوشه الأسئلة وناقشه، وكان إذا سأل عن مسألة فذكر له فيها نص مالك سأل عن دليله، إلى أن يمعن في الكشف، فيقف على موضع حجته من الكتاب والسنة. فإذا قيل له: مستنده القياس؛ فكر، فربما استنبطه من النص.
لقد رأيته يدقق على الأذكياء، فإن لم يقدر رجع إلى الاحتياط بالترك أو بالتشديد على النفس. وإن كان لا يحتمل الاحتياط لتعارض المحظور من الجانبين كشف عنه المذاهب وحججها، وفي الآخر يرجع إلى التقليد بعد أن يستحضر الكتب التي فيها المسألة، ويشترط على من يحضرها أن لا تكون عارية ولا جنبا، وأن يكون الكتاب ملكا نظيفا للمحضر، فإذا وقف على المسألة أعطى المحضر بحسب الحال، إما فضة وإما مأكولا وقال له: هذه مكافأة لا أجرة، لأن العلم لا يؤخذ عليه أجرة.
وكان كثيرا ما يطلب مذهب أحمد ويقول: كان صاحب حديث.
ويذكر أنه سمع ' مسنده ' بمكة، فيقال له: أفلا نسمعه منك؟ فيقول:
هذا ما تقلدته ولا سمعته إلا لنفسي خاصة.
وكان عجز عن الطواف والتعبد، فجعل عوض ذلك الجلوس للسماع.
قال: فجعلت مجلسي إلى جنب القارئ لثقل سمعي، فسمعت منه جملة.
قال المؤلف: كان عجبا فيما يسمعه، ما أظنه سمع شيئا فنسيه.
وكان يحفظ ' الجمع بين الصحيحين ' من زمن الصبى، استكتبه ودرسه، وكان يحفظه باختلاف الطرق والألفاظ، وبالفاء والواو إلى منتهى العبادات، وكثيرا من أحاديث القدر.
وكان يأخذ ارتفاع الشمس بالميزان. وكان قل أن يتكلم إلا متبسما منشرحا. فإذا أقبل على مقدمات الصلاة كان كأنه مصاب بولد أو محتضر ويتوضأ لكل فريضة.
وقال: كنت يوما في هذه الغرفة، فإذا ثعبان عظيم مطوق، فأخذت آلة
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»