في سنة ست وستمائة، فردت النيابة وأمور الديوان إلى القمي، ونقل إلى دار الوزارة، وحضر عنده الدولة، ولم يزل في علو من شأنه، وقرب وارتفاع حتى إن الناصر لدين الله كتب بخطه ما قرئ في مجلس عام: محمد بن محمد القمي نائبنا في البلاد والعباد، فمن أطاعه، فقد أطاعنا، ومن أطاعنا، فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصانا، ومن عصانا فقد عصى الله. ولم يزل إلى أن) ولي الظاهر بأمر الله، فأقره على ولايته، وزاد في مرتبته، وكذلك المستنصر بالله قربه ورفع قدره وحكمه في العباد. ولم يزل في ارتقاء إلى أن كبا به جواد سعده، فعزل، وسجن بدار الخلافة وخبت ناره، وذهبت آثاره، وانقطعت عن الخلق أخباره.
قال: وكان كاتبا سديدا بليغا وحيدا، فاضلا، أديبا، عاقلا، لبييا، كامل المعرفة بالإنشاء، مقتدرا على الارتجال، متصرفا في الكلام، متمكنا من أدوات الكتابة، حلو الألفاظ، متين العبارة، يكتب بالعربي والعجمي كيف أراد، ويحل التراجم المغلقة. وكان متمكنا من السياسة وتدبير الممالك، مهيبا، وقورا، شديد الوطأة تخافه الملوك وترهبه الجبابرة. وكان ظريفا لطيفا، حسن الأخلاق، حلو الكلام، مليح الوجه، محبا للفضلاء، وله يد باسطة في النحو واللغة، ومداخلة في جميع العلوم.
إلى أن قال: أنشدني عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، أخبرنا علي بن ظافر الأزدي، أنشدني الوزير مؤيد الدين القمي النائب في الوزارة الناصرية، أنشدني جمال الدين النحوي لنفسه في قينة:
* سميتها شجرا صدقت لأنها * كم أثمرت طربا لقلب الواجد * * يا حسن زهرتها وطيب ثمارها * لو أنها تسقى بماء واحد * وبه قال: وأنشدنا لنفسه:
* يشتهي الإنسان في الصيف والشتا * فإذا ما جاءه أنكره * * فهو لا يرضى بعيش واحد * قتل الإنسان ما أكفره * ولد مؤيد الدين القمي في سنة سبع وخمسين وخمسمائة.
وقبض عليه في شوال سنة تسع وعشرين، وعلى ولده أحمد، وسجنا