وكان ينزل إلى داره بدرب العجم من القلعة والكتاب تحت إبطه، فأخذ عنه كتاب سيبويه، وشرحه للسيرافي، وأخذ عنه الحجة في القراءات لأبي علي الفارسي، والحماسة وغير ذلك من الكتب المطولة، وحفظ الإيضاح في النحو، وسمع المسند من حنبل المكبر، وسمع من عمر بن طبرزد، وغيره. وله ديوان شعر.
قال القوصي: سمعت منه ديوانه، وصنف في العروض ومع ذلك فما يقيم الوزن في بعض الأوقات. وكان محبا لمذهبه، متغاليا فيه، كثير الاشتغال مع كثرة الأشغال، وكان محبا للفضيلة، قد جعل لمن يعرض المفصل للزمخشري مائة دينار، ولمن يحفظ الجامع الكبير مائتي دينار، ولمن يحفظ الإيضاح ثلاثين دينارا، سوى الخلع. وقد حج في أيام والده سنة إحدى عشرة وستمائة. وجدد البرك والمصانع، وأحسن إلى الحجاج كثيرا. وبنى سور دمشق، والطارمة التي على باب الحديد، والخان الذي على باب الجابية، وبنى بالقدس مدرسة، وبنى عند جعفر الطيار رضي الله عنه مسجدا. وعمل بمعان دار مضيف وحمامين. وكان قد عزم على تسهيل طريق الحاج وأن يبني في كل منزلة. وكان يتلكم مع العلماء، ويناظر،) ويبحث. وكان ملكا حازما، وافر الحرمة، مشهورا بالشجاعة والإقدام، وفيه تواضع، وكرم، وحياء، وقد ساق على فرس واحد من دمشق إلى الإسكندرية في ثمانية أيام في حدود سنة سبع وستمائة إلى أخيه الملك الكامل محمد، فلما التقيا، قال له الكامل بعد أن اعتنقه والتزمه: اطلع اركب، فقال:
* وإذا المطي بنا بلغن محمدا * فظهورهن على الركاب حرام * فطرب الكامل وأعجبه.
وكان قد أعد الجواسيس والقصاد، فإن الفرنج كانوا على كتفه، فلذلك كان يظلم، ويعسف، ويصادر. وأخرب القدس، لعجزه عن حفظه من الفرنج، وأدار الخمور، وكان يملك من العريش إلى حمص، والكرك، والشوبك، وإلى العلى.