تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٤٤ - الصفحة ٤٩١
وكان عندنا صبيان يشتغلون عليه من حوران، وكانوا يلعبون بعض الأوقات إذا خلوا، فشكى بعض الجماعة إلى الشيخ أبي عمر. فقال: أخرجوهم من عندنا، ثم قال: هؤلاء أصحاب الموفق، فاذكروهم له، فقالوا له، فقال: وهل يصنعون إلا أنهم يلعبون هم صبيان لا بد لهم من اللعب إذا اجتمعوا، وإنكم كنتم مثلهم. وكان بعض الأوقات يرانا نلعب فلا ينكر علينا.
ولقد شاورته في أشياء متعددة، فيشير علي بشيء، فأراه بعد كما قال. وكم قد جرى على أصحابنا من غم وضيق صدر من جهة السلاطين واختلافهم، فإذا وصل الكلام إليه أشار بالرأي السديد الذي يراه، فيكون في رأيه اليمن والبركة.
وكان أخوه الشيخ أبو عمر مع كونه الأكبر، لا يكاد يعمل أمرا حتى يشاوره.
سمعت الإمام الزاهد أبا عبد الله محمد بن أبي الحسين اليونيني، قال: كنت بعض الأوقات ألازم القراءة وبعضها أتركها، فقال لي الموفق: يا فلان، في صورة من يأتيك إبليس قلت: في صورة أويس القرني، قال: ما يقول لك قلت: يقول لي: ما أحب أن أكون محدثا ولا مفتيا ولا قاصا، في نفسي شغل عن الناس، فقال: والله مليح ما يقوله لك، أفيقول لك: هذه ليلة السجود فتسجد إلى الصباح، هذه ليلة البكاء فتبكي إلى الصباح قلت: لا. قال: هذا مقصوده أنك تبطل العلم وتفوتك فضيلته، وما يحصل لك فعل أويس. فيعد ذلك، ما جاءني إبليس في هذا المعنى.) قال الضياء: وكان لا ينافس أهل الدنيا، ولا يكاد أحد يسمعه يشكو، وربما كان أكثر حاجة من غيره. وكان إذا حصل عنده شيء من الدنيا فرقه ولم يتركه.
وسمعت البهاء عبد الرحمن يقول: كان فيه من الشجاعة، كان يتقدم إلى العدو، ولقد أصابه على القدس جرح في كفه، ولقد رأيت أنا منه على قلعة
(٤٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 486 487 488 489 490 491 492 493 494 495 496 ... » »»