الغضب، عديم الحسد، لا يطلب الدنيا، ولا يلتفت إلى أهلها، وإذا جاءه المال، فرقه في الحال. ورأيت الناس على قدر ميزتهم يختلفون فيه، فمن قائل: ساحر وكاهن، ومن قائل: زنديق وممخرق، ومن قائل: مجذوب يتكلم على الخواطر، ويتصرف في البواطن والظواهر. فتوقفت عن الدخول إليه سنة، ثم ألح علي صديق فمضيت إليه، فإذا به في دار قوراء بهية ذات مجالس وأروقة ومفارش، وفي وسط الدار ماء جار وأشجار كأنها من دور) الملوك، وحوله فقهاء وصلحاء وبعض متميزي البلد، فسلمنا وجلسنا، فكان يفسر في آيات في البر والصدقة، ورأيت على عينيه خرقة زرقاء فحسبت أنها لرمد وإذا هي عادة له. فلما فرغ، عاد لمحادثتي، وسأل عن اسمي وبلدي، وفاوضته في مسائل في التصوف، فكان يأتي بالأجوبة الغريبة السديدة، والكلام المنقح، ثم شرع في الحديث معي على ما جرت به العادة مع القادم ثم لازمت زيارته وزارني، وخرجت معه إلى البساتين والضواحي، وكان يحب الخضرة، والمياه الجارية، وبلغني أنه كان يلازم العزلة والخلوة، ثم خالط الناس. وكانت مجالسه مجالس وعظ وتذكير وأدعية، ومعظم كلامه في الحث على الصدقة وفعل الخير وذم الشح.
وأما الذي صح عنه من الكرامات، وصحة الفراسات، والدعوات المستجابات، فمشهور متداول مستفيض، إلا أنهم يرجمون الظنون في أسباب ذلك الحصول وطريقته في الوصول، وكان لصاحبي الجمال محمد القسطلاني أخ قد سافر بتجارة إلى غانة، وهي قاعدة مملكة السودان، فبعث إليه بضاعة فخرج الحرامية، فأخذوا تلك القافلة فرد التجار إلى سجلماسة، وخرج الوالي، فأمسك بعض الحرامية، وبعض الأموال، فدخل محمد معي إلى الشيخ فحكى له ما جرى، فقال: كم تسوى بضاعتك قال: ستمائة دينار. فتبسم، وقال: لعل رأس مالها عليك العشر أو أقل، فكأنكم طعمتم في اقتناص أموال الحضر، فصادها البربر من المدر، فقلت أنا: يا سيدي فهل يرجى لما ذهب عود قال: إن تصدق بستمائة درهم، أخلف الله عليه ذلك.
فأخرج دراهم، فوضعها بين يديه فعدت، فكانت مائة وثمانية دراهم. فلما