وكان قد سافر فوقع في أسر الروم، وبقي سنة ونصفا، وقيدوه وغلوه، وأرادوه أن ينطق بكلمة الكفر، فلم يفعل، وتعلم منهم الخط الرومي.
وسمعته يقول: من خدم المحابر خدمته المنابر.
وسمعته يقول: يجب على المعلم أن لا يعنف، وعلى المتعلم أن لا يأنف.
ورأيته بعد ثلاث وتسعين سنة صحيح الحواس، لم يتغير منها شيء، ثابت العقل، يقرأ الخط الدقيق من بعد.
ودخلنا عليه قبل موته بمديدة فقال: نزلت في أذني مادة، فقرأ علينا من حديثه، وبقي على هذا نحوا من شهرين، ثم زال ذلك، وعاد إلى الصحة، ثم مرض فأوصى أن يعمق قبره زيادة على العادة، وأن يكتب على قبره قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون، وبقي ثلاثة أيام لا يفتر من قراءة القرآن، إلى أن توفي قبل الظهر ثاني رجب.
قال ابن السمعاني: ما رأيت أجمع للفنون منه، نظر في كل علم، وبرع في الحساب والفرائض، وسمعته يقول: ثبت من كل علم تعلمته إلا الحديث وعلمه.
ورأيته وما تغير من حواسه شيء.
وكان يقرأ الخط البعيد الدقيق.
وكان سريع النسخ، حسن القراءة للحديث.
وكان يشتغل بمطالعة الأجزاء التي معي، وأنا مكب على القراءة، فاتفق أنه وجد جزءا من حديث أبي الفضل الخزاعي، قرأته بالكوفة على الشريف عمر بن إبراهيم الحسيني، بإجازته من محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي، وفيه حكايات مليحة فقال: اتركه عندي.) فلما رجعت من الغد أخرج الجزء وقد نسخه جميعه، وقال: اقرأه حتى أسمعه.