تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٣٢ - الصفحة ٢٥٩
صحب الزاهد القدوة أبا سعيد فضل الله بن أبي الخير الميهني، وسافر الكثير. وكان ذا همة شريفة وأخلاق سنية. حج على التجريد مرات، لأن الطريق كان منقطعا. وكان يجمع جماعة من الفقراء والصوفية، ويدور في قبائل العرب، وينتقل من حلة إلى حلة، إلى أن يصل مكة.
وكان بينه وبين نظام الملك مودة أكيدة.
إتفق أنه كان منصرفا من إصبهان إلى حضرة نظام الملك، فنزل بنهاوند، وكان قد غربت الشمس، فنزل فأتى خانقاه أبي العباس النهاوندي، فمنع من الدخول وقيل: إن كنت من الصوفية، فليس هذا وقت دخول الخانقاه، وإن كنت لست منهم، فليس هذا موضعك.
فبات تلك الليلة على باب الخانقاه في البرد، فقال في نفسه: إن سهل الله لي بناء خانقاه أمنع من دخولها أهل الجبال، وتكون موضع نزول الغرباء من الخراسانيين.
قال أبو سعد السمعاني: بلغني أنه خرج مرة إلى البادية، فأضافه صاحبه أحمد بن زهراء، وكانت له زاوية صغيرة يجتمع فيها الفقراء، فلما دخلها أبو سعد قال: يا شيخ لو بنيت للأصحاب موضعا أوسع من هذا، وبابا أرفع من هذا، حتى لا يحتاج الداخل إلى انحناء ظهره.
فقال له أحمد: إذا بنيت أنت رباطا للصوفية في بغداد، فاجعل له بابا يدخل في الجمل وعليه الراكب.) فضرب الدهر ضرباته، وانصرف أبو سعد، إلى نيسابور، وباع أملاكه، وجمع ما قدر عليه، وقدم بغداد، وبنى الرباط، وحضر فيه الأصحاب، وأحضر أحمد بن زهراء وركب واحد جملا حتى دخل من باب الرباط.
وسمعت ولده أبا البركات إسماعيل يقول: لما غرق جميع بغداد في سنة ست وستين وأربعمائة، وكان الماء يدخل الدور من السطوح، وضرب الجانب
(٢٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 253 254 255 256 258 259 260 261 262 263 264 ... » »»