تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٣١ - الصفحة ١٥٠
فقال: إيتوني بدواة. فأتوه بها فكتب لكل منهم بخلعة وذهب وأفراس وخدم وأمر كل واحد أن يبعث رسوله ليقبض ذلك. ثم ركب من فوره وقاموا في خدمته.
ثم طلبهم بعد ستة أشهر لوليمة فأتاه ستون رجلا منهم فأنزلهم وأنزل معاذا عنده. ثم أدخلهم حمما وطين بابه فماتوا كلهم. فعز على معاذ ذلك فقال المعتضد: لا ترع فإنهم قد حضرت آجالهم وقد أرادوا قتلي ولولاك لقتلوني فإن أردت أن أقاسمك جميع ما أملك فعلت.
فقال: أقيم عندك وإلا بأي وجه أرجع إلى قرمونة وقد قتلت سادات بني برزال.
فأنزله في قصر وأقطعه وكان من كبار أمرائه. ثم كان المعتمد يجله ويعظمه. فحدث بعض الإشبيليين أنه رأى معاذا يوم دخل يوسف بن تاشفين وعليه ثوب ديباج مذهب وبين يديه نحو ثلاثين غلاما وأنه رآه في آخر النهار وهو مكتف في تليس.
ذكر هذه الحكاية بطولها عزيز في تاريخه فإن صحت فيه تدل على لؤم المعتضد وعسفه وكفر نفسه. وقد لقاه الله في عاقبته.
وحكى عبد الواحد بن علي في تاريخه أن المعتضد كان شهما شجاعا داهية. فقيل إنه ادعى أنه وقع إليه هشام المؤيد بالله بن المستنصر الأموي فخطب له مدة بالخلافة وكان الحامل له على تدبير هذه الحيلة ما رآه من اضطراب أهل إشبيلية عليه لأنهم أنفوا من بقائهم بلا خليفة وبلغه أنهم يطلبون أمويا ليقيموه في الخلافة فأخبرهم بأن المؤيد بالله عنده بالقصر وشهد له جماعة من حشمه بذلك وأنه كالحاجب له. وأمر بذكره على المنابر فاستمر ذلك سنين إلى أن نعاه إلى الناس في سنة خمس وخمسين وأربعمائة.
وزعم أنه عهد إليه بالخلافة على الأندلس؛ وهذا محال. وهشام هلك من سنة ثلاث وأربعمائة ولو كان بقي إلى الساعة لكان يكون ابن مائة سنة وسنة.
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»