تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٢٢ - الصفحة ٢١٩
قال الطهماني: والأقطع هذا كان كافرا عاتيا، شديد العداوة للمسلمين، قد أثر على أهل الثغور، وألح عن أهل خوارزم، وكان ولاة خوارزم يتألفونه، ويبعثون إليه بمال وألطاف وأنه أقبل مرة في خيوله فعاث وأفسد وقتل) فأنهض إليه ابن طاهر أربعة من القواد. وأن وادي جيحون، وهو الذي في أعلى نهر بلخ، وهو وادي عظيم، شديد الطغيان، كثير الآفات، وإذا امتد كان عرضه نحوا من فرسخ، وإذا جمد انطبق، فلم يوصل منه إلى شيء، حتى يحفر فيه، كما تحفر الآبار في الصخور. وقد رأيت كثف الجمد عشرة أشبار. فأخبرت أنه كان فيما خلا يزيد على عشرين شبرا، وإذا هو انطبق صار الجمد جسرا لأهل البلد، يسير على القوافل والعجل، وربما بقي الجمد مائة وعشرين يوما، وأقله سبعون يوما.
قالت المرأة: فعبر الكافر، وصار إلى باب الحصين، فأراد الناس الخروج لقتاله، فمنعهم العامل دون أن يتوافى العسكر. فشد طائفة من شبان الناس، فتقاربوا من السور، وحملوا على الكفرة، فتهازموا، واستجروهم بين البيوت، ثم كروا عليهم، وصار المسلمون في مثل الحرجة فحاربوا أشد حرب، وثبتوا حتى تقطعت الأوتار، وأدركهم اللغوب والجوع والعطش، وقتل عامتهم، وأثخن من بقي. فلما جن عليهم الليل، تحاجز الفريقان.
قالت: ورفعت النيران من المناظر ساعة عبور الكافر، فاتصلت بجرجانية خوارزم، وكان بها ميكال مولى طاهر في عسكر، فخف وركض إلى حصننا في يوم وليلة أربعين فرسخا، وغدا الترك للفراغ من أمر أولئك، فبينا هم كذلك إذا ارتفعت بهم الأعلام السود، وسمعوا الطبول، فأفرجوا عن القوم، ووافى ميكال موضع المعركة، فارتث القتلى، وحمل الجرحى، ودخل الحصن عشيئذ زهاء أربعمائة جنازة، وارتجت الناحية بالبكاء والنوح، ووضع زوجي بين يدي قتيلا، فأدركني من الجزع والهلع عليه ما يدرك المرأة الشابة المسكينة، على زوج أبي أولاد، وكاسب عيال. فاجتمع الناس من قراباتي والجيران، وجاء الصبيان، وهم أطفال يطلبون الخبز، وليس عندي ما أعطيهم، فضقت صدرا، فنمت، فرأيت كأني في أرض حسناء ذات حجارة وشوك، أهيم فيها والهة حزنا أطلب زوجي،
(٢١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 ... » »»