فقدم فرأى الناس يدخلون عليه بلا استئذان، فقال: من يؤذن الأمير بنا قالوا: ليس عليه حجاب، فأنشأ يقول:
* يرى بارزا للناس بشر كأنه * إذا لاح في أثوابه قمر بدر * * بعيد مراة العين مارد طرفه * حذار الغواشي رجع باب ولا ستر * * ولو شاء بشر أغلق الباب دونه * طماطم سود أو صقالبة حمر * * ولكن بشرا يسر الباب للتي * يكون له في جنبها الحمد والشكر * فقال: تحتجب الحرم، وأجزل صلته.
وقال أبو مسهر: ثنا الحكم بن هشام قال: ولى عبد الملك أخاه بشرا على العراقين، فكتب إليه حين وصله الخبر: يا أمير المؤمنين إنك قد شغلت إحدى يدي، وهي اليسرى، وبقيت الأخرى فارغة. فكتب إليه بولاية الحجاز واليمن، فلما بلغه الكتاب حتى وقعت القرحة في يمينه، فقيل) له: نقطعها من مفصل الكف، فجزع، فما أمسى حتى بلغت المرفق، ثم أصبح وقد بلغت الكتف، وأمسى وقد خالطت الجوف، فكتب إليه: أما بعد، فإني كتبت إليك يا أمير المؤمنين، وأنا في أول يوم من أيام الآخرة، قال: فجزع عليه عبد الملك، وأمر الشعراء فرثوه. وقال علي بن زيد بن جدعان: قال الحسن: قدم علينا بشر بن مروان البصرة وهو أبيض بض، أخو خليفة، وابن خليفة، فأتيت داره، فلما نظر إلى الحاجب قال: من أنت قلت: الحسن البصري. قال: ادخل، وإياك أن تطيل الحديث ولا تمله، فدخلت فإذا هو على سرير عليه فرش قد كاد أن يغوص فيها، ورجل متكيء على سيفه قائم على رأسه، فسلمت، فقال: من أنت قلت: الحسن البصري.
فأجلسني، ثم قال: ما تقول في زكاة أموالنا، ندفعها للسلطان أم إلى الفقراء قلت: أي ذلك فعلت أجزأ عنك، فتبسم، ثم رفع رأسه إلى الذي على رأسه، فقال: لشيء ما يسود من سود، ثم عدت إليه من العشي، وإذا هو قد اندحر من سريره إلى أسفل وهو يتململ، والأطباء حوله، ثم عدت من الغد والناعية