وهي على قسمين قصر وربض فالقصر هو القصر القديم المشهور فخره في كل بلد وإقليم وهو في ذاته على ثلاثة أسمطة فالسماط الأوسط يشتمل على قصور منيعة ومنازل شامخة شريفة وكثير من المساجد والفنادق والحمامات وحوانيت التجار الكبار والسماطان الباقيان فيهما أيضا قصور سامية ومبان فاخرة عالية وبهما من الحمامات والفنادق كثير وبها الجامع الأعظم الذي كان في الزمن الأقدم وأعيد في هذه المدة على حالته كما كان في سالف الأزمان وصفته الآن تغرب عن الأذهان لبديع ما فيه من الصنعة والغرائب المفتعلة المنتخبة المخترعة من أصناف التصوير وأجناس التزاويق والكتابات وأما الربض فمدينة أخرى تحدق بالمدينة من جميع جهاتها وبه المدينة القديمة المسماة بالخالصة التي بها كان سكنى السلطان والخاصة في أيام المسلمين وباب البحر ودار الصناعة التي هي للإنشاء والمياه بجميع جهات مدينة صقلية مخترقة وعيونها جارية متدفقة وفواكهها كثيرة ومبانيها ومتنزهاتها حسنة تعجز الواصفين وتبهر عقول العارفين وهي بالجملة فتنة للناظرين والقصر المذكور من أكثر الحصون منعة وأعلاها رفعة لا ينال بقتال ولا يطاق على حال وبأعلاه حصن محدث للملك المعظم رجار مبني بالفصوص الجافية والصخور المنحوتة الضخمة وقد أحكم نسقه وأعليت رققه وأوثقت منائره ومحاريسه وأتقنت قصوره ومجالسه وشيدت بنيانا ونمقت بأعجب المغتربات وأودعت بدائع الصفات فشهد لها بالفضل المسافرون وغلا في وصفها المتجولون وقطعوا قطعا ألا مباني أعجب من مباني المدينة ولا مكان أشرف من مغانيها وأن قصورها مشارف القصور وأن ديارها منازه الدور
(٥٩١)