نزهة المشتاق في اختراق الآفاق - الشريف الادريسي - ج ١ - الصفحة ١٥٣
عشر ميلا وهو حصن يحصب وبه جلة من العرب القديمة وبه مياه جارية وقليل نخيلات ومنه إلى حصن سفل يحصب ستة عشر ميلا وبه نخل ومياه جارية من عيون عذبة ومن ظفار إلى قرية مأرب ثلاث مراحل وهذه القرية كانت في القدم مدينة كبيرة عامرة بالخلق مشهورة في بلاد العرب وبها قصر سليمان بن داود ويسمى هذا القصر صرواح ولم يبقى منه الآن إلا طلل دارس وأثر غابر وبمأرب قصر القشيب وهو قصر بلقيس زوج سليمان وبها كان السد المسمى بالعرم وهذا السد ذكره مشهور وخبره معلوم في جميع الأمم وذلك أن هذه المدينة المسماة مأرب كان أكثر أهلها سبأ من قبائل العرب الحميرية وكان لهم من التيه والعجب والكبر على سائر الأمم ما قد شاع ذكره وكانوا مع ذلك يكفرون بأنعم الله سبحانه وكان لهم بهذه المدينة في مجرى الماء سد عظيم البناء وثيق الصنعة قد أمنوا من خلله وكان الماء يرتدع فيه نحو من عشرين قامة وكان الماء محصورا من جوانبه قد أتقنوه وأوثقوا صناعته وكانت مساكنهم عليه وكان لكل قبيلة شرب معلوم ينصب إليهم فيسقون منه ويصرفونه في مزارعهم بقسمة عدل وكان السد يعلو هذه المدينة كالجبل المنيف فلما أراد الله انقطاع دولهم وتشتت جماعتهم وانصرام أيامهم أرسل عليهم السيل الكبير فجاءهم وهم نائمون فرفع السد ومر بالمدينة وما جاورها من القرى والأمم والبهائم والبناءات وقتل الكل بالكل وفرقهم شذر مذر وتفرقت العرب وتبلبلت الألسن وصاروا
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»