العثمانية - الجاحظ - الصفحة ١٥١
فأحب لشهوته له أن يشركه فيه أشبه الناس به فدعا ربه، وأنه إذ دعا ربه ثلاث مرار كل ذلك يستجيب له، وكل ذلك يراه أنس ويكذب له ويصده عن حاجته، ويمنعه سرعة الاستجابة، وتعجيل قضاء الحاجة، وتسويغه أكل المشتهى من طعامه. كلما دعا دعوة قال اخرج يا أنس فانظر من بالباب، ثقة منه بربه، واتكالا على الذي عنده له، ويرجع وقد كتمه وحجبه عنه، ومنعه سرور تعجيل الدعاء، وأكل شهى الغذاء.
فإن كان أنس كما تقولون فقد ركب أمرا عظيما، وذهب مذهبا قبيحا.
وكيف يصدق على النبي صلى الله عليه من خلقه بهذا (1) وكذبه في وجهه ثم لا تمنعه الأولى من الثانية، والثانية من الثالثة. هذا والوحي ينزل بأسرع من الطرف بلعن قوم ومدح آخرين.
وإن امرأ احتملت نفسه وشاع في طبعه أن يواجه النبي صلى الله عليه بالكذب ثلاث مرات في أحب الناس وأوجبهم حقا عليه، لحري ألا يصدق عليه في معظم أمر الدين، مع أن الحديث نفسه هو أضعف حديث عند أصحاب الأثر من (2) أن يحوجنا إلى الاطناب فيه، والاخبار عنه.
ومتى ادعينا ضعف حديث وفساده فاتهمتم رأينا، وخفتم ميلنا أو غلطنا فاعترضوا حمال الحديث وأصحاب الأثر، فإن عندهم الشفاء فيما تنازعنا فيه، والعلم بما التبس علينا منه.

(1) كذا في الأصل: " ولعله وجه.
(2) كذا ورد الأسلوب، وفيه استعمال " من التفضيلية " مع أفعل التفضيل المضاف، كقول قيس بن الخطيم:
نحن بغرس الودي أعلمنا * منا بركض الجياد في السدف
(١٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 ... » »»