العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٣٣١
مؤكدا لهذا البيع والشراء " ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ". وقال الله تعالى: " ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح ".
فمواقف الناس في الجهاد على أحوال، وبعضهم في ذلك أفضل من بعض. فمن دلف إلى الاقران واستقبل السيوف والأسنة كان أثقل على أكتاف الأعداء لشدة نكايته فيهم، ممن وقف في المعركة وأعان ولم يقدم، وكذلك من وقف في المعركة وأعان ولم يقدم إلا أنه بحيث تناله السهام والنبل، وأعظم غناء وأفضل ممن وقف حيث لا يناله ذلك. ولو كان الضعيف والجبان يستحقان الرياسة بقلة بسط الكف وترك الحرب، وأن ذلك يشاكل فعل النبي صلى الله عليه وآله، لكان أوفر الناس حظا في الرياسة وأشدهم لها استحقاقا حسان بن ثابت. وإن بطل فضل علي عليه السلام في الجهاد لان النبي صلى الله عليه وآله كان أقلهم قتالا - كما زعم الجاحظ - ليبطلن على هذا القياس فضل أبى بكر في الانفاق، لان رسول الله صلى الله عليه وآله كان أقلهم مالا.
وأنت إذا تأملت أمر العرب وقريش، ونظرت السير وقرأت الاخبار، عرفت أنها كانت تطلب محمدا صلى الله عليه وآله وتقصد قصده، وتروم قتله، فإن أعجزها وفاتها طلبت عليا عليه السلام وأرادت قتله، لأنه كان أشبههم بالرسول حالا، وأقربهم منه قربا، وأشدهم عنه دفعا، وأنهم متى قصدوا عليا فقتلوه أضعفوا أمر محمد صلى الله عليه وآله وكسروا شوكته، إذ كان أعلى (1) من ينصره في البأس والقوة والشجاعة، والنجدة والاقدام والبسالة. ألا ترى إلى قول عتبة بن ربيعة يوم بدر وقد خرج هو وأخوه شيبة وابنه الوليد بن عتبة، فأخرج إليهم الرسول نفرا من الأنصار فاستنسبوهم فانتسبوا لهم. فقالوا: ارجعوا إلى قومكم ثم نادوا: يا محمد،

(1) هذا ما في ط: وفى الأصل: " على ".
(٣٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 326 327 328 329 330 331 332 333 334 335 336 ... » »»