عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٧١
المتمردة ولم يصنف كتابا ولا أملى على أحد من تلاميذه ما أثبته في قرطاس وإنما كان يلقنهم علمه تلقينا لا غير وتعلم ذلك من أستاذه طيماتاوس فإنه قال له في صباه لم لا تدعني أدون ما أسمع منك من الحكمة فقال له ما أوثقك بجلود البهائم الميتة وأزهدك في الخواطر الحية هب أن إنسان لقيك في طريق فسألك عن شيء من العلم هل كان يحسن أن تحيله على الرجوع إلى منزلك والنظر في كتبك فإن كان لا يحسن فالزم الحفظ فلزمها سقراط وكان سقراط زاهدا في الدنيا قليل المبالاة بها وكان من رسوم ملوك اليونانيين إذا حاربوا أخرجوا حكماءهم معهم في أسفارهم فأخرج الملك سقراط معه في سفرة خرج فيها لبعض مهماته فكان سقراط يأوي في عسكر ذلك الملك إلى زير مكسور يسكن فيه من البرد وإذا طلعت الشمس خرج منه فجلس عليه يستدفئ بالشمس ولأجل ذلك سمي سقراط الحب فمر به الملك يوما وهو على ذلك الزير فوقف عليه وقال ما لنا لا نراك يا سقراط وما يمنعك من المصير إلينا فقال الشغل أيها الملك فقال بماذا قال بما يقيم الحياة قال فصر إلينا فإن هذا لك عندنا معد أبدا قال لو عملت أيها الملك أني أجد ذلك عندك لم أدعه قال بلغني أنك تقول أن عبادة الأصنام ضارة قال لم أقل هكذا قال فكيف قلت قال إنما قلت إن عبادة الأصنام نافعة للملك ضارة لسقراط لأن الملك يصلح بها رعيته ويستخرج بها خراجه وسقراط يعلم أنها لا تضره ولا تنفعه إذ كان مقرا بأن له خالقا يرزقه ويجزيه بما قدم من سئ أو حسن قال فهل لك من حاجة قال نعم تصرف عنان دابتك عني فقد سترتني جيوشك من ضوء الشمس قد دعا الملك بكسوة فاخرة من ديباج وغيره وبجوهر ودنانير كثيرة ليجيزه بذلك فقال له سقراط أيها الملك وعدت بما يقيم الحياة وبذلت ما يقيم الموت ليس لسقراط حاجة إلى حجارة الأرض وهشيم النبت ولعاب الدود والذي يحتاج إليه سقراط هو معه حيث توجه وكان سقراط يرمز في كلامه مثل ما كان يفعل فيثاغورس فمن كلامه المرموز قوله عندما فتشت عن علة الحياة ألفيت الموت وعندما وجدت الموت عرفت حينئذ كيف ينبغي لي أن أعيش أي أن الذي يريد أن يحيا حياة إلهية ينبغي أن يميت جسمه من جميع الأفعال الحسية على قدر القوة التي منحها فإنه حينئذ يتهيأ له بأن يعيش حياة الحق وقال تكلم بالليل حيث لا يكون أعشاش الخفافيش أي ينبغي أن يكون كلامك عند خلوتك
(٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 ... » »»