الرجل إلى الذئب قد استذأب الرجل. ولو قلت: استذاب، بغير همز، لكنت إنما نسبته إلى الهزال، تقول قد استذاب الرجل. إذا استذاب شحمه، بغير همزة، فإذا نسبته إلى الحوت، قلت: قد استحات الرجل. أي كثر أكله، لا يجوز فيه الهمز، فلتلك العلة همز الذئب، ولم يهمز الحوت، وفيه معنى آخر، لا يسقط الهمز من مفرده ولا من جمعه، وأنشدهم:
أيها الذئب وابنه وأبوه * أنت عندي من أذؤب ضاريات قال: فسمي الكسائي من ذلك اليوم.
وقال عبد الرحيم بن موسى، قلت للكسائي: لم سميت الكسائي قال: لأني أحرمت في كساء.
ثم أقرأ ببغداد زمانا بقراءة حمزة، ثم اختار لنفسه قراءة، فأقرأ بها الناس، وقرأ عليه بها خلق كثير ببغداد، وبالرقة، وغيرهما من البلاد، وحفظت عنه. وصنف " معاني القرآن "، و " الآثار " في القراءات. وكان قد سمع من سليمان بن أرقم، وأبي بكر بن عياش، ومحمد بن عبيد الله العرزمي، وسفيان بن عيينة، وغيرهم. روى عنه أبو توبة ميمون بن حفص، وأبو زكريا الفراء، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو عمر حفص بن عمر الدوري، وجماعة. وإنما تعلم الكسائي النحو على الكبر، وكان سبب تعلمه أنه جاء يوما وقد مشى حتى أعيى، فجلس إلى الهباريين، وكان يجالسهم كثيرا، فقال: قد عييت. فقالوا له:
أتجالسنا وأنت تلحن!؟ قال: كيف لحنت؟ قالوا له: إن كنت أردت من التعب، فقل: قد أعييت. وإن أردت من انقطاع الحيلة والتحير في الامر، فقل: عييت. مخففة. فأنف من هذه الكلمة، وقام من فوره ذلك، فسأل عمن يعلم النحو، فأرشدوه إلى معاذ الهراء، فلزمه، حتى أنفد ما عنده، ثم خرج إلى البصرة، فلقي الخليل، وجلس في حلقته، فقال له رجل من الاعراب: تركت أسد الكوفة وتميمها، وعندها الفصاحة، وجئت إلى البصرة!؟ فقال للخليل: من أين أخذت علمك هذا؟ فقال: من بوادي الحجاز ونجد وتهامة. فخرج، ورجع وقد أنفد خمس عشرة قنينة حبرا في الكتابة عن العرب، سوى ما حفظ، فلم يكن له هم غير البصرة والخليل، فوجد الخليل قد مات، وقد جلس في موضعه يونس النحوي، فجرت بينهم مسائل أقر له يونس فيها، وصدره موضعه. وقال الفراء: قال لي قوم:
ما اختلافك إلى الكسائي وأنت مثله في العلم؟ فأعجبتني نفسي، فناظرته، فكأني كنت طائرا يشرب من بحر. ومات الكسائي ومحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة في يوم واحد