وكيف علم صحة ما ذكرتم؟ قالوا: إن معنا بالباب جماعة من حملة الآثار، وطلاب العلم، وثقات الناس، يكتفى بالنظر إليهم دون المسألة عنهم، وهم يعلمون ذلك، فتأذن بوصولهم إليك، لتسمع منهم. فأدخلهم، وسمع مقالتهم، ووجه خلف المؤمل بالشرط والأعوان، فتقزز، فجذبوه وجرروه، وقالوا: أخبرنا أنك استطعمت الإباق، فصار معهم إلى السلطان، فلما دخل عليه قال له: ما يكفيك ما أنت فيه من الإباق، حتى تتعزز على سلطانك امضوا به إلى الحبس، فحبس، وكان من هيئته أنه أصفر، طوال خفيف اللحية، يشبه عبيد أهل الحجاز، فلم يزل في حبسه أياما، حتى علم بذلك جماعة من إخوانه، فصاروا إلى السلطان، وقالوا: إن هذا مؤمل بن يهاب في حبسك مظلوم. قال: ومن ظلمه. قالوا:
أنت. قال: ما أعرف من هذا شيئا، ومن مؤمل؟ فقالوا: الشيخ الذي اجتمع عليه جماعة، وقالوا: العبد الآبق. وما هو بآبق، بل هو إمام من أئمة المسلمين في الحديث. فأمر بإخراجه، وسأله عن حاله، فأخبره كما أخبره الذين جاءوا يذكرون له حاله، فصرفه، وسأله أن يحله. فلم ير بعده ممتنعا امتناعه الأول، حتى لحق بالله عز وجل. ومات بالرملة، في رجب، سنة أربع وخمسين ومائتين.