مات والده فوض إليه ما كان إلى والده من المدرسة وغيرها، ورزق أبو العلاء الأولاد، وإلى الساعة له بكرمان ونواحيها أولاد فضلاء وعلماء.
وجدنا الإمام أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني، إمام عصره بلا مدافعة، وعديم النظير في فنه، ولا أقدر على أن أصف بعض مناقبه، ومن طالع تصانيفه وأنصف، عرف محله من العلم. صنف التفسير الحسن المليح الذي استحسنه كل من طالعه، وأملى المجالس في الحديث، وتكلم على كل حديث بكلام مفيد، وصنف التصانيف في الحديث، مثل " منهاج أهل السنة " و " الانتصار " و " الرد على القدرية " وغيرها، وصنف في أصول الفقه القواطع، وهو يغني عما صنف في ذلك الفن، وفي الخلاف " البرهان " وهو مشتمل على قريب من ألف مسألة خلافية، و " الأوساط " و " المختصر " الذي سار في الآفاق والأقطار الملقب بالاصطلام، ورد فيه على أبي زيد الدبوسي، وأجاب عن الاسرار التي جمعها، وكان فقيها مناظرا، فانتقل بالحجاز في سنة اثنتين وستين وأربعمائة إلى مذهب الشافعي رحمه الله، وأخفى ذلك وما أظهره إلى أن وصل إلى مرو، وجرى له في الاسفار محن ومخاصمات، وثبت على ذلك، ونصر ما أختاره، وكانت مجالس وعظه كثيرة النكت والفوائد. سمع الحديث الكثير في صغره وكبره، وانتشرت عنه الرواية، وكثر أصحابه وتلامذته، وشاع ذكره. سمع بمرو أباه، وأبا غانم أحمد بن علي بن الحسين الكراعي، وأبا بكر محمد بن عبد الصمد الترابي المعروف بابن أبي الهيثم، وجماعة كثيرة بخراسان، والعراق، وجرجان، والحجاز، وقد جمع الأحاديث الألف الحسان من مسموعاته عن مائة شيخ له، عن كل شيخ عشرة أحاديث، أدركت جماعة من أصحابه، وتفقهت على صاحبيه أبي حفص عمر بن محمد بن علي السرخسي، وأبي إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المروزي، والله يرحمهما، وروى لي عنه الحديث أبو نصر محمد بن محمد بن يوسف القاشاني بمرو، وأبو القاسم الجنيد بن محمد بن علي القاضي بهراة، وأبو طاهر محمد بن أبي بكر السنجي ببلخ، وأبو بكر أحمد بن بشار الجرجردي بنيسابور، وأبو البدر حسان بن كامل بن صخر القاضي بطوس، وأبو منصور محمود بن أحمد بن عبد المنعم بن ماشاذة بأصبهان، وجماعة كثيرة يزيدون على خمسين نفرا، وكانت ولادته في ذي الحجة سنة ست وعشرين وأربعمائة، وتوفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول سنة تسع وثمانين وأربعمائة، ودفن بأقصى سنجدان إحدى مقابر مرو، ورزق من الأولاد خمسة: أبو بكر محمد والدي، وأبو محمد الحسن، وأبو القاسم أحمد، وابن رابع وبنت ماتا عقب موته بمدة يسيرة.