البكائين من خشية الله حتى عمى من كثرة البكاء، وكان صالحا سديدا، سمع أبا عبد الله البوشنجي وجعفر بن محمد بن سوار وجعفر بن أحمد بن نصر الحافظ وغيرهم، سمع منه الحاكم أبو عبد الله الحافظ وذكره في التاريخ فقال: عهدته ولا يذكر بين يديه شئ من الرقائق إلا والدموع تسيل على لحيته البيضاء، وكان عاشر أفاضل شيوخ أهل علوم الحقائق، وكانت سماعاته قبل التسعين، توفي أبو بكر البكاء في ذي الحجة سنة اثنتين وستين وثلاثمائة. وأبو حامد أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان المقري التاجر، ويعرف بالحسنويي، من أهل نيسابور، وكان شيخا صالحا مكثرا من الحديث رحالا في طلبه إلى العراق والشام ومصر ولكن ادعى أنه سمع الحديث من المتقدمين، قيل إنه لم يلحقهم، سمع بنيسابور أبا أحمد محمد بن عبد الوهاب العبدي وأبا محمد السري بن خزيمة الأبيوردي، وبالري أبا حاتم محمد بن إدريس الحنظلي، وببغداد أبا محمد الحارث بن أبي أسامة التميمي، وجماعة سواهم، روى عنه الحاكم أبو عبد الله الحافظ وجماعة سواه، وذكره الحاكم في التاريخ وقال: أبو حامد الحسنويي، كان أحد المجتهدين في العبادة بالليل والنهار، ومن البكائين من الخشية (1) والملازمين مسجد محمد بن عقيل الخزاعي، رحل إلى أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي وكتب عنه جملة مصنفاته، ولو اقتصر على هذه السماعات الصحيحة كان أولى غير أنه لم يقتصر عليها وحدث عن جماعة من أئمة المسلمين أشهد بالله أنه لم يسمع منهم، وكنت أغار عليه بعد أن عقلت فكنت أسأله عن لقي أولئك الشيوخ. ثم قال: قصدت أبا حامد الحسنويي للنصف من المحرم من سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة فسألته عن سنه فقال: أنا اليوم ابن ست وثمانين سنة، قلت: في أي سنة أدخلت الشام؟ قال: أدخلت الشام سنة ست وستين ومائتين، قلت: ابن كم كنت؟ قال: ابن اثنتي عشرة سنة (2). وقد كنت سمعت أبا حامد يذكر مولده سنة ثمان وأربعين ومائتين. وقال وسمعت أبا حامد يقول: ما كنت رأيت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بنيسابور، إنما رأيته أول ما رأيته بمصر ومعه محبرة كبيرة وله شعر وافر (وكان) يعرف بالشعراني. قال: ودخلت على أبي حامد يوما فوجدته ضيق الصدر فقال: ألا تراقبون الله في توقير المشايخ؟ أما لكم حياء يحجزكم عن تحقير المشايخ؟
فسألته ما أصاب الشيخ، فقال جاءني أبو علي المعروف بالحافظ وأنكر علي روايتي عن