وعانيت في تراجم المعاصرين نصبا، بدت لي فيه ظاهرة خلقية غير مرضية، في كثير ممن كتبت إليهم أو كلمتهم، لاستكمال نقص في ترجمة أب لهذا أو أخ أو قريب لذاك، ولم يفعلوا.
أما خطوط المترجم لهم، فكانت بداية أمرها معي، كذلك الذي يكون، أول ما يكون، مجانة، فإذا تمكن صار شغلا شاغلا!
عرض لي وأنا أتلقط صور الأقربين عهدا، من هنا وهناك، أن لبعض من تقدم بهم الزمن، ما قد يحل محل الصورة، من توقيع أو إجازة أو تملك.
وبدأت أنظر فيما بين يدي من أسانيد وأثبات ورقاع. ثم اندفعت أنقب عن خطوط المصنفين في أوائل كتبهم وأواخرها، وبين سطور ما نسخ على عهدهم منها. ونشط البررة من إخواني فأمدوني بالتحف النفائس منها. وتهيأت لي رحلات، اقتنصت فيها خطوطا لم أكن أحلم ببقائها. وتفتحت أمامي أبواب المتاحف والمكتبات ومخلفات الخزائن السلطانية والبيوت العريقة في القدم، فإذا بي، والأفق أمامي لا نهاية له، كخائض البحر أيام الجزر، داهمه المد!.
والخطوط، إلى جانب قيمتها الأثرية، فلذ من أرواح أصحابها أبدية الحياة، يكمن فيها من معاني النفوس، ما لا تعرب عنه صور الأجسام. والعهد بالحرص عليها، قديم، قال ابن النديم (1: 40 - 41) وهو من أبناء القرن الخامس للهجرة، الحادي عشر للميلاد، ما مؤداه: كان بمدينة (الحديثة) رجل يقال له (محمد بن الحسين) أخرج لي قمطرا كبيرا، خصه به رجل من أهل الكوفة، فيه أنواع مختلفة من الورق، تشتمل على تعليقات عن العرب وقصائد وحكايات وأخبار وأنساب، وعلى كل جزء أو ورقة أو مدرج، توقيع بخطوط العلماء، واحدا إثر واحد، يذكر فيه خط من هو، وتحت كل توقيع توقيع خمسة أو ستة من العلماء بشهادة بعضهم على خطوط بعض، ورأيت أربع أوراق كتب عليها أنها بخط (يحيى بن يعمر) وتحت هذا الخط، بخط عتيق: (هذا خط علان النحوي) وتحته: (هذا خط النضر بن شميل) قال ابن النديم: ومات الرجل ففقدنا القمطر.
وكان فيما أخذت عنه للطبعة الأولى، فهارس مكتبات فاتني العزو إليها وغابت عني أسماؤها، فتداركت في هذه الطبعة ما استطعت تداركه. واكتفيت للتعريف بأماكن ما زاد فيها من المخطوطات، بالإحالة إلى مصادرها.
وقلت فيما تهيأ لي الاطلاع عليه منها أو اقتناؤه: هو في خزانة فلان، أو هو عندي، لئلا يذهب سعي الباحث عنه سدى.