فاستوى جالسا فقلت: أصبحت بحمد الله بارئا. فقال: أما إني على ما ترى بي، جعلت لي معشر المهاجرين شغلا مع وجعي، جعلت لكم عهدا من بعدي، واخترت لكم خيركم في نفسي، فكلكم من ذلك ورم أنفه، رجاء أن يكون الامر له، ورأيتم الدنيا وقد أقبلت ولما تقبل وهي جائية فتتخذون ستور الحرير، ونضائد الديباج، وتألمون من ضجائع الصوف الأذربي، حتى كان أحدكم على حسك السعدان، والله لان يقدم (1) أحدكم فتضرب عنقه في غير حد خير له من أن يسبح في غمرة الدنيا، وأنتم أول ضال بالناس تصفقون بهم عن الطريق يمينا وشمالا، يا هادي الطريق إنما هو الفجر أو البحر.
فقال له عبد الرحمن: لا تكثر على ما بك، فوالله ما أردت إلا الخير، وما الناس إلا رجلان: رجل رأى ما رأيت، ورجل رأى غير ذلك، فإنما يشير عليك برأيه.
فسكت. ثم قال عبد الرحمن (2): ما أرى بك بأسا والحمد لله، فلا تأس على الدنيا، فوالله إن علمناك إلا كنت صالحا مصلحا. فقال: إني لا آسى على شئ إلا على ثلاث وددت أنى لم أفعلهن: وددت أنى لم أكشف بيت فاطمة وتركته، وأن أغلق على الحرب. وددت أنى يوم السقيفة كنت قذفت الامر في عنق أبي عبيدة أو عمر، فكان أميرا وكنت وزيرا. وددت أنى كنت حيث وجهت خالد بن الوليد إلى أهل الردة أقمت بذي القصة، فإن ظفر المسلمون ظفروا وإلا كنت بصدد اللقاء أو مددا.
وثلاث تركتها: وددت أنى كنت فعلتها، فوددت أنى يوم أتيت بالأشعث أسيرا ضربت عنقه، فإنه قد خيل إلى أنه لا يرى شرا إلا أعان عليه، وددت أنى يوم أتيت بالفجاءة لم أكن حرقته وقتلته سريحا أو أطلقته نجيحا. وددت أنى حيث وجهت خالدا إلى الشام كنت وجهت عمر إلى العراق فأكون قد بسطت يميني وشمالي في سبيل الله.